نعم، النووي ليس الهدف والصراع إقتصادي لا ديني


د. عادل سماره
أعود إلى نقاش بدأ عام 1993 حينما كنا نلتقي في بيت الراحل بسام الشكعة في محاولة إعادة تكوين التيار العربي حيث كنا ضد إتفاقات أوسلو. كان الراحل المحامي صالح أبو عيده/حزب البعث يرى الصراع ضد إيران نووية، و الراحل د. عبد الستار قاسم يرى أن دافع أمريكا والكيان المسألة الدينية.
كان و لا زال رايي بأن الهدف هو عدم بقاء أي بلد في ما يسمى الشرق الأوسط قويا متطوراً لأنه يُقوض مصالح أمريكا في المنطقة أو يأخذ حصة من السوق و هذا ضمن خطة الغرب في إستهداف الوطن العربي منذ 300 سنة و تمت إضافة إيران بعد سقوط الشاه، و تواصل التركيز على تقوية تركيا.
من هنا أرجو من القراء قراءة نظرية إحتجاز التطور Blocked Development /التطور المحتجز. و كل هذا يعني عدم رسملة متطورة لي بلد، فما بالك بتحوله للإشتراكية، و حصر الرسملة في الغرب، فالصراع إذن راسمالي، و الكيان في هذه المعادلة هو إستثمار إستراتيجي دوره إجهاض التطور العربي و من هنا كان الإنفاق على الكيان هامشيا بمقدار ما يقدمه من خدمات تطبيعية و تدميرية تنتهي إلى تحويل الثروة العربية لصالح الغرب كل الغرب، و لننظر كم قُدِّم لترامب من الخليج قبل شهر.
أشار بعض المحللين الفلسطينيين بأن الكيان يشن حربا دينية، باعتبار أن إيران نظام دينسياسي، و هذا ليس صحيحاً بل إن السلطة الحالية في الكيان هي نموذج دينسياسي و نسخة صهيونية عن داعش بل إن قوى الدينية الصهيونية طالما كرر حاخاماتها أنهم يريدون دولة دينية مثل إيران بينما الحقيقة أن الكيان مخلوق راسمالي و خادم راسمالي يستخدم الطربوش الديني. . لكن هذا لا ينفي عدة عوامل إلى جانب الإقتصاد. لأختم هذه الجزئية بالسؤال:
هل العدوان الأمريكي ضد الصين لأنها نووية و لأنها ليست دينية إنجليكانية أم لأنها تتطور إقتصاديا و تأخذ حصة أوسع من السوق الدولي؟
من ناحية ثانية، يبدو أن إيران ليست بصدد إنتاج النووي مع انه من حقها و حتى لو حصل فلن يتم إستخدامه من الطرفين إلا في حالة جنون إنتحاري، فإيران تعتمد الصاروخ مقابل الطيران، ولعل الليلة الماضية كانت برهاناً على ذلك، وأعتقد ان امريكا و الكيان يعلمان ذلك لكن كان و لا يزال إحتجاز تطور إيران هو الهدف . لذلك طالما قالتا :سنعيد العراق و سوريا إلى العصر الحجري و ليس منعهما من الوصول إلى العصر النووي. و علينا أن نتذكر بأن امريكا اول من إستخدم النووي و الكيان حاول ذلك 1973 في حرب أكتوبر لولا أن امريكا أسعفته بالجسر الجوي و القتال نيابة عنه كما كان يفعل الغرب و لم يتوقف.
في الحرب الحالية كان موقف نتنياهو إستشراقيا بهلوانياً حين حاول إغواء الشعب في إيران بأن العدوان هو ليس ضد الشعب بل لإسقاط النظام. و كما لوحظ نشر صورة لنتنياهو و زوجته إلى جانب إبن الشاه و زوجته، و هذه محاولة إعادة التاريخ مجدداً و هذا عكس منطق التاريخ.
أعاد لي هذا المنطق الإستشراقي لما قاله اسحق رابين في إنتفاضة 1987 حين قال “أستغرب كيف يرمينا الفلسطينيون بالحجارة بينما نشغلهم عندنا” متناسيا أنهم لم ينسوا بأنه يشغلهم في وطنهم المغتصب.
القناعات و التغيير من هذه الحرب:
من الغرابة بمكان أن معظم المحللين العرب و المذيعين طبعا …الخ يتحدثون عن عدوان الكيان! لو قلنا أنهم لم يفهموا أن الحرب مع الغرب منذ 1948، و لكن الحرب منذ اليوم الأول بعد طوفان الأقصى هي حرب امريكا و الغرب و في ذيلهما الكيان و الصهيونية العربية. كفى جهلا و تجهيلا لأن هذه خيانة.
و من الغرابة إعجاب كثيرين بالتقدميين اليهود الذين يدينون حرب الإبادة ضد غزة و لكنهم يبدؤؤن بإدانة الطوفان و يتهربون من أن البداية هي إغتصاب فلسطين 1948، و بالتالي هي حرب تحرير مقابل حرب إبادة.
منذ عدة سنوات، كنت أكتب بأن عبارة قواعد اللعبة هي أكذوبة مخادعة ففي الصراع التناحري لا يؤمن العدو بأية قواعد حتى لو فرضها هو نفسه بل يلتزم بقواعد مفروضة عليه و يعمل على تغييرها. و قد أثبتت حرب طوفان الأقصى أن لا قواعد لعبة لدى الغرب و الصهيونية و الصهيونية العربية و مع ذلك يستمر كثيرون بالثرثرة عنها و النطق بها.
و الأمر نفسه عن الخطوط الحمراء التي يضعها العدو و يمحوها بيده، و لذا، كثيراً ما كنت استغرب بعض المحللين بأن إغتيال صاحب العمامة “خطاً أحمر” مما يُعتقد أن ذلك طمئنه على نفسه! فكانت الطامة الكبرى باغتياله. و في نفس السياق مسألة أن لا حرب قادمة…الخ، و لكن المفروض:من يعتقد أن التناقض تناحري عليه أن يرى حصولها كل لحظة. لذا كان معيباً حديث المحور بأن أمريكا و الكيان مارسا الخداع!!!و لماذا لا يفعلا ذلك! فإذا صدقتهما إيران و المحور حبذا لو لم يذكرنها، هذا الوهم و الإنخداع مناقض لقانون التناقض.
و كذلك ثرثرة البعض بأن ترامب ليس ميالاً للحرب، بينما هو فاشي عنصري راسمالي يمارس الحرب و من ثم سلام الدمار بعد الحرب فهو يذهب للحرب أولاً كما يفعل ضد غزة، وعلى ضوء النتائج يفكر في السلام بعد أن تستنفذ الحرب طاقتها و جدواها.
لقد إمتلىء الإعلام العربي بأحاديث ماكجريجور و سكوت ريتر بأن العدوان سيقود إلى حرب واسعة تدخلها تركيا و دول عربية و إسلامية لصالح فلسطين و المحور بينما دور تركيا واضح في إسقاط الشام و تقاسمها مع قوى الدينسياسي بقيادة الجولاني و الكيان و أمريكا و الكرصهاينة.
فيما يخص إيران، نعم كان رايي أن إيران لن تدخل سوى حرب الدفاع عن نفسها، هذا حقها لأن تقصيرنا هو المشكلة، و هذا الفارق بين إيران و اليمن. فاليمن انطلقت من عروبتها و إسلامها كما إنطلقت إيران من قوميتها و دينها، و لذا طبيعي أن لا تدخل الحرب في لبنان و فلسطين، و هذا ليس فقط لأن هذا القتال هو واجبنا بل ايضا، و للإنصاف ، فإن إيران لن تغامر بمواجهة ثلاثي الغرب و الصهيوني و الصهيونية العربية.
لعل ما لم يتضح بعد هو: هل حاول ذو العمامة دخول الحرب منذ 8 تشرين 2023؟ لكن إيران لجمته! هذا في بطن التاريخ سواء إذا كتب مذكراته أو قال رأيه مشافهة!.
كنت مع كثيرين بأن الصحيح دخول الحرب لكن لم نحاول النقد وقت الإشتباك. و تذرعنا بأن سبب عدم الدخول و الإكتفاء بموقف وسط هو المساندة لأن نصف لبنان ضد ذو العمامة.
و لكن أخطر ما حصل و أشرنا له عديد المرات هو موقف ال 57 دولة عربية و إسلامية منذ 11 نوفمر 2023 بأنها لن تقاتل و لا حتى دبلوماسيا و بأنها بصدد “الإرتياح” من الحمل و الثقل الفلسطيني. و هذا مهَّد لما هو أخطر حيث توسع تدريجيا فريق إدانة الطوفان واعتباره مغامرة و حتى مؤامرة مع قيادة الكيان.
لعل الإستنتاجات، ولو بدرجة من التسرُّع هي:
حتمية تجاوز الطائفية بين السنة و الشيعة، فالطوفان و مترتباته تؤكدان وجوب ذلك وهذا يعني لجم مشايخ الفتنة لأنهم يشكلون شريحة طبقية طفيلية تعيش على الشحن الطائفي بزعم ديني.
و حتمية تجاوز عدم الإستقرار الجيولوجي سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا و نفسيا فالمنطقة بأكملها قيد الإستهداف. فلا يمكن التعاون طالما هناك تمترس طائفي أو تصالح في لبنان و فلسطين و تناقض في العراق! كما لا بد من تجاوز خطيئة تصدير الثورة،…الخ فالثورة تنبت و تُغذى محليا و تتعاون مع الخارج لا تتبع له لأن تصدير الثورة يؤجَّج الطائفية.
و لعل الأخطر هو الثرثرة عن تناقضات العرب و الفرس اليوم في حمأة الإشتباك بدل التركيز على أن المصير مشترك خاصة و أنهما قيد الإستهداف. هل ستتسع الحرب، هل تتوقف؟ لا ندري بعد لكن كل شيء محتمل.