أقلام الوطن

متى تنتهي الحرب؟

رانية مرجية

رانية مرجية*

هل تنتهي الحرب؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى بسيطًا، يُطرح بتنهيدة أو يهمس به عجوز من على عتبة الزمن، لكن الحقيقة أن هذا السؤال يحمل من الفلسفة و المرارة ما يعجز عنه أعتى الشعراء و المفكرين. ففي أرضٍ كفلسطين، حيث لا يبدأ السلام إلا ليُجهض، و لا ينتهي الموت إلا ليُستأنف، تصبح الحرب ليست فقط واقعًا سياسيًا، بل كينونة وجودية.

الحرب ليست بندقية فقط

كثيرون يختزلون الحرب في مشهد الدمار: قذيفة تهوي على بيت، طفل يُنتشل من تحت الركام، أم تودع شهيدًا. لكن الحرب في فلسطين أكثر خبثًا. إنها تمشي بيننا، تلبس وجه المعلمة المتعبة التي تشرح دروس الوطنية لتلاميذ سيُعتقلون لاحقًا، و تُشبه العجوز التي تتقن زراعة الصبر كما تتقن حياكة المفاتيح.

الحرب ليست فقط طائرات فوق غزة.

إنها الجدار الذي يشطر الضفة إلى أحياء و بوابات، و الهوية الزرقاء التي تُمنع عن المقدسي لأنها “ليست يهودية كفاية”.

إنها السماسرة الذين يبيعون العقارات في الشيخ جراح بقلوب ميتة.

هي قِلة الحيلة في وجه الصفقات الكبرى، و الإنهاك الجماعي حين يصبح الوطن سلعة تفاوض لا حُلم تحرير.

متى تنتهي الحرب؟ حين يتغيّر تعريفها

الحرب لن تنتهي لأن العالم لا يريد لها أن تنتهي. العالم لا يتحمّل صوت فلسطين و هي تصرخ. يريدنا أن نهمس، أن نموت بأدب، أن نحترق بلا لهب. أما حين نرفض الموت المجاني و نُصرّ على الحياة – رغم الأنقاض – عندها فقط، نخيف العالم.

الحرب ستنتهي عندما نكفّ عن تقبلها كقدر.

عندما يتوقّف الفلسطيني عن القول: “هيك الدنيا”، ويبدأ بالسؤال: “ليه هيك؟”.

عندما لا يُعامل الأسير كبطل لحظة الاعتقال، ثم يُنسى بين الجدران.

عندما لا تصبح المأساة مادة للتمويل و التوظيف، بل غضبًا نقيًّا يدفع للتغيير.

نهاية الحرب ليست وقف إطلاق نار

ما يُسمّى “هدنة” هو مجرد فراغ بين قذيفتين. لا يُنهي حربًا، بل يعيد ترتيب مسرح الجريمة. إن نهاية الحرب الحقيقية تتطلّب عدالة لا شعارًا، اعترافًا لا مساومة، حرية لا مراقبة على الحواجز.

تنتهي الحرب حين نتحرر – من الاحتلال و من تشظينا الداخلي.

حين نكفّ عن تصنيف بعضنا البعض بخانات: مناضل بما يكفي، وطني حتى النخاع، مقاوم و لكن “بحدود معقولة”.

حين تُرفع اليد عن فم المثقف، و يُزال الخوف من حنجرة المغني، و يُكسر قفل الكنيسة، و تُفتح بوابات المسجد دون جندي.

الخاتمة: حربٌ داخلية أيضًا

و لأنني امرأة فلسطينية من الرملة، لا أرى الحرب فقط في الجيوش، بل في التفاصيل: في انتظار تصريح زيارة، في نظرة استعلاء من موظف بلدية، في امرأة تُنهر لأنها صرخت أمام ألمها، في مريض سرطان لا يجد تصريح علاج. الحرب ليست فقط هناك، بل هنا – في الروح. و من هنا تبدأ نهايتها.

نعم، تنتهي الحرب.

و لكن ليس عندما يعلن ذلك المتحدث العسكري، بل عندما نُقرر نحن – نحن الذين نحمل الذاكرة و اللغة و الدم – أن لا نكون وقودًا لها بعد اليوم.

*كاتبة وصحافية فلسطينية من الرملة

رانية مرجية

رانية مرجية من مواليد 1976 فلسطين، عضو رابطة اتحاد كتاب العرب في الانترنت ،عضو الاتحاد العربي للاعلام الألكتروني. حاصلة على درجة بكالوريوس في موضوعي الاعلام وعلم النفس درجة الماجستير في العلوم السياسية والاسلام. * دبلوم في الاخراج المسرحي والتمثيل * دبلوم في الوساطة وفض النزاعات تعمل في مجال الاعلام و ناشطة في مجال حقوق المرأة والمسرح الاخر. وحقوق الانسان. تعمل باحثة في شؤون السياسة والمرأة والدين- الشعر والمقالات المتنوعة وتعمل كموفقة جماهيرية بالوسط العربي الشبابي بالرملة واللد ويافا وبالتوجيه وارشاد المجموعات . كتب واصدارات بالعربية - صدر لها سنة 1995 ديوان شعر بعنوان رسالة الى الطغاة -وسنة 1998 ديوان شعر تحت عنوان الكل يتقيا الحياة وسنة 2008 مدرج الأفق النحيل في المسرح. المسرحيدية العلاجية ' انا قتلتك يما ' وهي من تأليفها وتمثيليها ومن انتاج مسرح السرايا في يافا . نحن نحب الحياة مسرحية من اخراجها وشاركت بالتمثيل ابطالها اطفال متوحدون يارا احمد جورج فاطمة مصطفى الياس ومسرحية العودة حق مقدس وهي من تأليفها واخراجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *