أقلام الوطن

سوروكا مبكى العدو الكاذب ومستشفاه الخائب

العدوان الصهيو أمريكي على إيران (2)

د. مصطفى يوسف اللداوي
د. مصطفى يوسف اللداوي

د. مصطفى يوسف اللداوي*

استشاط العدو الصهيوني غضباً، و أرغى و أزبد و هدد و توعد، و تمزقت أشداق قادته و مسؤوليه وهم يصرخون و يولولون، و يبكون و يتباكون، و يهددون و يتوعدون، و قاموا على أعلى المستويات السياسية و الأمنية و العسكرية بزيارة موقع المستشفى، و تفقد آثار القصف و نتائجه، و منه أعلنوا بغضبٍ و حنقٍ عزمهم على الثأر و الانتقام من إيران التي استهدفت مستشفاهم، و هددت حياة مرضاهم، و عرضت سلامة العاملين فيه إلى الخطر.

و حرك العدو وسائله الإعلامية المحلية و استدعى الأجنبية، و سهل وصولهم إلى مكان المستشفى، و نصب لهم محطات للبث المباشر، و قدم لهم ما يحتاجون إليه، و طلب منهم تسليط الضوء على “جريمة قصف المستشفى”، و عرض مشاهد الدمار الذي أصاب مبنى المستشفى و محيطها، و إظهار حجم الإصابة التي تعرضت لها و أقسامها، و اتهم إيران بأنها تعمدت قصفها، و قصدت تدميرها، و هي تعلم أنها مستشفى، و تضم مئات المرضى و الأطباء و الموظفين المدنيين، و أنها بقصفها قد ارتكبت جريمة حرب، وخالفت القوانين الدولية، و اعتدت على مستشفى مدنيٍ، و لم تراع حرمته الطبية و الإنسانية.

ضاعف العدو الإسرائيلي حملته التحريضية ضد إيران، و بالغ في إظهار الشكوى و المظلومية، و بدأ في تنظيم زيارات لسفراء الدول الأجنبية في الكيان، لمعاينة المكان، و الوقوف على حجم الأضرار، و التأكيد على أن القصف قد استهدف المرضى و المدنيين، و إظهار جرمية إيران و عدوانيتها و عدم إنسانيتها، و أنها ترتكب جرائم حربٍ، و تخالف القوانين الدولية و أعراف الحروب و قواعد القتال، و طالبت المجتمع الدولي بإدانة الجريمة و استنكارها، و تحميل إيران المسؤولية عنها، و بالتالي تبرير أي ردٍ عليها، و تشريع العدوان ضدها.

يعلم العالم كله أن إيران لا تستهدف المدنيين الإسرائيليين، رغم أنها على ذلك قادرة، و أنهم ليسوا مدنيين و إنما هم مستوطنون عسكريون محاربون، و كلهم يحمل السلاح و يقاتل، و يخدم في جيش الكيان و يرتكب باسمه المجازر و الجرائم، و أن غارتها الصاروخية لم تقتل العدد الذي قتله العدو الإسرائيلي في صفوف المدنيين الإيرانيين، لأنها تتجنب المناطق المدنية، و ما زالت تلتزم قوانين الحرب و أصول القتال، وما استهداف محيط مستشفى سوروكا إلا لأنه يضم منشأة أمنية إسرائيلية، و مركزاً لإدارة العمليات الأمنية و العسكرية ضد إيران و قطاع غزة في آنٍ، و قد أظهرت الصور والخرائط المنشورة أن الاستهداف كان لمحيط المستشفى الأمني و ليس لحرمه الطبي.

غريبٌ أمر هذا الكيان الصهيوني و معه الولايات المتحدة الأمريكية، و دول أوروبا الغربية و في مقدمتها ألمانيا و بريطانيا، الذين يتباكون على قصف محيط مستشفى لم يتضرر، و يظهرون تعاطفهم الشديد مع الكيان الصهيوني، و يتمنون السلامة و عاجل الشفاء لمرضى المستشفى و العاملين فيه، الذين أخرجوا منه بتظاهرة استعراضية، وي بررون للحكومة الإسرائيلية الرد و الثأر و الانتقام من الجمهورية الإسلامية في إيران، و يعتبرون ذلك دفاعاً عن أمن و سلامة مستوطنيهم، و يرونه حقاً طبيعياً مشروعاً، و لا يعيب “إسرائيل” قيامها به، بينما يعيب إيران رد العدوان الإسرائيلي عليها.

و الأشد غرابة استنكاره قصف المستشفى الذي لم يقصف، و مطالبته العالم كله إدانة الصواريخ الإيرانية التي لم تستهدف المستشفى، و إنما استهدفت محيطه الأمني المعلوماتي الاستخباري، و لم تصب أحداً من نزلائه و العاملين فيه بضرر، و إنما دمرت المنشأة المعادية، التي تستخدم لإدارة العمليات العسكرية على إيران و غزة، بينما يطالب العالم كله بالصمت على جرائمه في قطاع غزة ضد القطاع الصحي كله، و تبريرها و القبول بروايته و تصديق سرديته، إذ دمر كل مستشفيات قطاع غزة، و قتل مرضاها و العاملين فيها، و استهدف أطباءها و أطقمها الطبية و سيارات الإسعاف و العاملين فيها، بحجة أنها مقرات عسكرية للمقاومة، وأن تحتها أنفاقاً و غرف عملياتٍ و تنسيق لإدارة عمليات المقاومة ضد جيشهم الغازي.

لعلها فرصة مناسبة لدول العالم التي تدعي التمدن و الحضارة، و تتغني بالإنسانية و القوانين الدولية، لأن تتوقف عن سياسة الازدواجية و الاستنسابية الانتقائية في المعايير، و ترفع صوتها عالياً ضد ممارسات جيش العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين ناهز عدد شهدائهم وجرحاهم ألـــــ 150 ألف مواطن، و ترفض اعتداءاته على المستشفيات و المراكز الصحية، و تطالبه بالتوقف عن قصف ما تبقى منها، و السماح بإدخال الأدوية و المعدات الطبية لها، و تمكين طواقمها من العمل فيها لإنقاذ حياة عشرات آلاف الجرحى و المصابين من النساء و الأطفال و الشيوخ.

سيبقى هذا العدو الذي يصر على سرديته الكاذبة، ويواصل رواياته المضللة، يدعي المظلومية، و يتباكى على جدران مستشفى لم يمس نزلاؤه بسوء، في الوقت الذي ما زال يعتدي كل يوم على مستشفيات قطاع غزة، و يقتل الجرحى و يجهز على المصابين، و يغتال بمسيراته العشرات على أسرتهم فيها، لكن العيب ليس فيه فهو عدوٌ غاشم، إنما العيب في الذين يصدقونه و يتبنون روايته، و يعتمرون قلنسوته و يتباكون معه على حائط مبكاهم الكاذب أمام مستشفى غدا مزاراً للمسؤولين، و منبراً للحاقدين، و إعلاماً للمحرضين.

بيروت في 20/6/2025
moustafa.leddawi@gmail.com

العدوان الصهيو أمريكي على إيران (1)

العدوان الصهيو أمريكي على إيران (3)

العدوان الصهيو أمريكي على إيران (4)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *