أقلام الوطن

غزة و الحرب الإيرانية الإسرائيلية

أسامة خليفة
أسامة خليفة

أسامة خليفة*

هل كان موضوع البرنامج النووي الإيراني السبب الوحيد للهجوم الإسرائيلي على إيران؟. و هل الحرب على إيران تساعد في إعادة الأسرى من غزة ؟. ربما تساعد في تحسين شروط إطلاق سراحهم ضمن صفقة مع حركة حماس!! من دون تحديد لصالح من؟. فقد تربح إيران الحرب و تتحسن شروط المقاومة، و يكون تأثيرها سلبياً على إسرائيل و ينخفض مستوى شروطها، على عكس التفاؤل الذي أظهره رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير في تصريحه يوم الأربعاء 18/6، أن الحرب على إيران ستؤثر إيجاباً على شروط استعادة الأسرى من غزة، و زعم زامير أن «إيران هي التي تسلح حركة حماس و تدعمها و تمولها، و لذلك فإن العملية التي ننفذها ضد طهران تؤثر في النهاية أيضا على ما يحدث هنا»، نعم!!. و تؤثر على الإقليم كله، بل و على السلام العالمي.
و لا أريد أن أنفي ما قاله زامير لمجرد أن تصريحاته مستهجنة كعدو بغيض، إن هناك خطاً «يربط بين إيران و أطراف المحور، من اليمن و حتى باقي المحاور التي تعرفونها، و في النهاية كل ذلك يصل إلى حركة حماس».
يقول زامير إن “إسرائيل” تعلمت درساً مهماً و مباشراً من أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قائلا: «نحن لا ننتظر، بل نمنع التهديدات قبل أن تتفاقم، و نقلص التهديد في مواجهة البرنامجين النووي و الصواريخ لإيران».
هذا نفاق لأن الحرب الاستباقية استراتيجية إسرائيلية تقوم على نزعة عدوانية متأصلة متوارثة من العصابات الصهيونية في مرحلة ما قبل 1948، فعّلتها في غزة بارتكاب الجيش جرائم يندى لها جبين الإنسانية، محاصراً القطاع مانعاً وصول الماء و الغذاء و الدواء عن أكثر من مليوني فلسطيني، و نصب مصائد الموت في مراكز توزيع المواد الغذائية، ضمن حرب تجويع قاسية، بالإضافة لما يحصل في الضفة الغربية من قتل في الشوارع، و اغتيال خارج القانون، و تهديم البيوت، و الاعتقال الإداري، و ممارسات المستوطنين المنفلتة من عقالها.
في تحليل نُشر على موقع معهد تشاتام هاوس البريطاني، يتحدث عن الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران و انعكاساتها على الساحة الفلسطينية وما حققته “لإسرائيل” من مكاسب دبلوماسية في هذا الجانب، وتحوّلت الحرب الإيرانية الاسرائيلية إلى غطاء سياسي ودبلوماسي “لإسرائيل”، بينما تدفع غزة الثمن بصمت.
من جهتها ذكرت الصحيفة البريطانية الغارديان أن «إسرائيل دمرت سمعتها في غزة، و هجومها على إيران محاولة متأخرة لاستردادها». و بعدما بدت “إسرائيل” مهددة بالعزلة الدولية بسبب سياستها في الأراضي الفلسطينية، و إثر صدور مذكرتي توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و وزير دفاعه السابق يوآف غالانت، سعى البعض للفصل بين نتنياهو كمتهم بجرائم حرب في غزة، و نتنياهو كزعيم يقود معركة ضد خطر نووي إيراني مزعوم، في محاولة لتحسين صورة الكيان البشعة التي أدانها المجتمع الدولي فهناك دعم أوروبي ضمني للحرب على إيران لاسيما من فرنسا و بريطانيا و ألمانيا، مقابل الدعم الأميركي الكبير والعلني لحربيّ “إسرائيل”، و رفض لقرارات المؤسسات الدولية بحق “إسرائيل”.
تراجعت تغطية أخبار فلسطين في الصحف و وسائل الإعلام، و حل مكانها التغطية الواسعة لأخبار الحرب العدوانية غير المبررة التي شنتها “إسرائيل” على إيران، ما ساهم في خدمة “إسرائيل” في ارتكاب مزيد من الجرائم في قطاع غزة وسط انشغال وسائل الإعلام بالمستجد و تداعياته، ذلك قد يبدو من باب المهنية الإعلامية، إلا أن هذه الحرب صارت فرصة لوسائل الإعلام لتبتعد بمقدار عن الوضع في غزة، تريد “إسرائيل” الحدث الفلسطيني رتيباً متكرراً بسياقه العام يفقد بريقه الإعلامي، و فهد التكرار على ذات الوتيرة لم يعد يتضمن سبقاً صحفياً يتسابق إليه الصحفيون المحترفون، بينما جراح عدد من الهاربين الإسرائيليين من سقوط الصواريخ، و المرعوبين من زعيق صفارات الإنذار نتيجة للتدافع على أبواب الملاجئ تصبح حالة الهلع مادة إعلامية مهمة تفوق في نظر الإعلام في جانبها النفسي حالة اعتياد الفلسطينيين الموت إما جوعاً أو قنصاً أو قصفاً.
يعتاد الفلسطيني الموت، و يعتاد الجمهور و وسائل الإعلام و مواقع التواصل الاجتماعي المشهد فلا تثير مشاهد قتل العشرات من الفلسطينيين كل يوم التعاطف، تتبلد مشاعر المتابع و تتوقف عند حدود الأسف، و كأن مأساة غزة نتجت عن كارثة طبيعية، كأنه حدث درامي في مسلسل يومي يوجع قلباً يحمل بقايا من إنسانية، و قد يزرف دمعة أمام شاشة التلفاز و يقلب إلى محطة أخرى لأن قلبه الصغير لا يحتمل مشاهد مؤلمة. و يصبح شلال الدم النازف بغزارة في غزة خلال نحو واحد و عشرين شهراً متواصلاً أقل أهمية من جدل حول الملف النووي الإيراني، و القنبلة النووية لم تصنع من قبل إيران، احتمال أن تصنعها ضعيف جداً، فالجمهورية الإسلامية أعلنت و تعلن أن برنامجها سلمي، و من حقها أن تمتلك هذا البرنامج، و فتوى من أعلى مرجع ديني بتحريمها. و بفرض امتلاكها لا أحد يفكر أن يبادر في استخدامها بالحرب إلا مجرمي الولايات المتحدة في هيروشيما و ناكازاكي و نازيو العصر من الصهيونيين العنصريين حيث فاق التدمير في غزة ما تحدثه أربعة قنابل نووية، كل قنبلة تعادل ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما.
عمل الإعلام الغربي على حرف أنظار العالم عن مأساة غزة، و تراجعت أخبار الحرب على القطاع في وسائل الإعلام الذي انشغل بالحرب الإيرانية الاسرائيلية، و ابتعد مركز الاهتمام الدولي عن مأساة العصر، و تراجع ضغط المجتمع الدولي بالقدر الكافي على حكومة نتنياهو الفاشية لإيصال المساعدات الإنسانية للجائعين في قطاع غزة، و تراجع الاهتمام لإنهاء الحرب و وضع حد لجرائم إسرائيل، أكثر من 400 فلسطيني في مصائد الموت فقط استشهدوا خلال أيام. و تمثّل مكسب “اسرائيل” في نقل الأنظار الدولية عن المجازر و الدمار في غزة، و تحويل مركز الاهتمام العالمي إلى إيران و برنامجها النووي، و منعها من امتلاك قنبلة نووية، بل العكس هو الصحيح، قد تؤدي هذه الحرب إلى اقتناع الإيرانيين بضرورة امتلاكها، لأنها أصبحت ضرورة لأمنها، و ردع من لا يريد الأمن و السلام لشعبها، و لا يتمنى له الازدهار و التقدم، و لا يريد له الاستفادة من الطاقة النووية في المجالات المختلفة دون الحربية، و كأن هذه التكنولوجيا حكر لهم، حرام على غيرهم.
تصعد “إسرائيل” حربها و مجازرها في قطاع غزة مستغلة توجه أنظار العالم و وسائل الإعلام إلى الحرب الساخنة بين “إسرائيل” و إيران و الاهتمام بأولوية هذه الحرب التي ستغير وجه المنطقة كما يريد نتنياهو و يشتهي، لكنه يخطئ و لا يعرف إلى أي حالة ستمضي الأمور. قد لا تستطيع “إسرائيل” تحقيق أهدافها، و قد تمتنع الولايات المتحدة عن التدخل المباشر، و قد لا يستمر الدعم الدولي إذا طال أمد الحرب دون تحقيق نتائج واضحة، و إذا استمرت الحرب الإسرائيلية الإيرانية طويلاً، فالقضية الفلسطينية، ستعود إلى الواجهة من جديد، كحدث بارز لا يمكن تجاهله، ساخن على الدوام طالما هناك احتلال و استيطان، ، و مع ذلك يبدو أن نتنياهو سعيد بهذه الحرب الثانية بما كسبه على الصعيد الداخلي الإسرائيلي في معركته مع خصومه بعد أن تراجعت الاحتجاجات الداخلية و الخلافات حول قانون التجنيد.

*باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *