تحاليل و تقارير ساخنه

يومان غيّرا قواعد الاشتباك بين طهران وتل أبيب

في مشهد يختصر عقوداً من التوتر المكبوت، انزلقت المنطقة إلى مواجهة مباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و كيان الاحتلال الإسرائيلي، في واحدة من أعنف جولات الصراع و أكثرها حساسية منذ الثورة الإيرانية.

فقد شنّت “إسرائيل”، فجر الجمعة 13 حزيران 2025، هجوماً معقّداً متعدد الأوجه على العمق الإيراني، في عملية عسكرية أطلقت عليها اسم «الأسد الصاعد»، قابلتها طهران خلال ساعات برد صاروخي حمل عنوان «الوعد الصادق 3»، ضم أهدافاً متعددة في العمق الإسرائيلي و أعاد رسم معادلة الردع في المنطقة.

غارة عسكرية أم حرب مركبة؟

العملية الإسرائيلية لم تكن مجرد غارة جوية تقليدية. بل جاءت كحملة منسقة استخباراتياً و ميدانياً، استندت إلى اختراق أمني واسع داخل إيران. فقد سبقت طائرات الـF-35 فرق عمليات خاصة تابعة للموساد، تمكّنت من تعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية و تعطيل منظومات الرادار و الاتصالات الحيوية، ما سمح للسرب الجوي بالعمل في بيئة عملياتية آمنة نسبياً.

الهجوم استهدف منشآت حساسة من بينها مفاعل نطنز النووية، إضافة إلى اغتيال قيادات عسكرية إيرانية بارزة، في محاولة إسرائيلية لتوجيه ضربة «رأسية» للبنية القيادية الإيرانية.

«الوعد الصادق» يقلب الطاولة

لكن المفاجأة لم تكن في الهجوم، بل في رد الفعل الإيراني السريع و المنظّم. ففي أقل من 12 ساعة، أطلقت إيران 3 موجات من الصواريخ الباليستية و الفرط صوتية، استهدفت مواقع عسكرية و مدنية داخل تل أبيب و محيطها، محدثة أضراراً مباشرة، و اختراقاً واضحاً لمنظومة الدفاع الإسرائيلية متعددة الطبقات، من «القبة الحديدية» إلى «مقلاع داوود» و «آرو».

هذه الضربات لم تكن استعراضية، بل شكلت إعلاناً عملياً بأن لدى إيران عمقاً استراتيجياً صاروخياً قادراً على ردع أي عدوان، و أن تل أبيب، بما تمثّله من رمز أمني واقتصادي، لم تعد خارج دائرة الاستهداف.

نجاح تكتيكي وفشل استراتيجي

أظهرت “إسرائيل” قدرة هجومية كبيرة، لكن فشلت في استثمار نجاحها الأولي، حيث لم يؤدي اغتيال القادة إلى شلل في منظومة القيادة الإيرانية، التي أعادت تفعيل قدراتها خلال ساعات بقيادة القائد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي.

في المقابل، كشفت الضربة الإيرانية هشاشة الدفاعات الصهيونية، التي طالما سوّقت كأنها الأحدث والأكثر تطوراً في العالم.

ميزان القوة والضعف: قراءة في أداء الطرفين

كشفت المعركة الأخيرة عن صورة مركّبة للطرفين، حيث برزت نقاط قوة استراتيجية واضحة لدى كلٍّ من “إسرائيل” و إيران، لكنّها ترافقت أيضاً مع مكامن خلل و ثغرات حرجة أثّرت في مسار المواجهة و معادلاتها.

تمثلت نقاط الضعف الإسرائيلية في العجز عن استثمار النصر التكتيكي، إذ لم يؤدي اغتيال القادة إلى انهيار القيادة الإيرانية، بل جرى ترميمها بسرعة. يضاف ذلك إلى فشل استخباراتي في فهم النظام الإيراني. فقد اعتمد الإسرائيليون على تقييم مغلوط للثقل القيادي، في حين أن بنية اتخاذ القرار الإيرانية أعمق و أكثر مرونة.

و يضاف إلى نقاط الضعف، مخاطرة سياسية متهورة. فقد شنت “إسرائيل” هجوماً على دولة ذات سيادة من دون غطاء دولي صريح، ما يهدد بجرّ الحلفاء إلى مواجهة موسعة.

أما بخصوص إيران، فقد ظهرت نقاط قوتها من خلال ترسانة صاروخية فعالة و متطورة. فقد أثبتت الصواريخ الإيرانية، لا سيما الفرط صوتية، قدرتها على اختراق العمق الإسرائيلي و فرض معادلة ردع جديدة.

وتمتع الأداء الإيراني بمرونة غرفة القيادة و السيطرة، إذ أظهرت القيادة الإيرانية سرعة استثنائية في التعافي، و إعادة تفعيل المنظومات خلال ساعات.

وتزامن ذلك مع استجابة منظمة وسريعة. فقد جاء الرد العسكري الإيراني واسع النطاق، ما كشف عن جاهزية عالية و تماسك مؤسسي في وقت الأزمة.

يضاف إلى نقاط القوة الإيرانية القدرة على كشف و تعطيل الاختراقات. و تمثل ذلك بإسقاط طائرات F-35 و مسيّرات، و اعتقال عملاء الموساد، و دلّ على فاعلية استخبارية مضادة و تعافٍ سريع.

أما نقاط الضعف، فقد تمثلت بالاختراق الأمني الداخلي، فقد شكّل وجود عملاء و مخازن للموساد داخل البلاد ثغرة استخباراتية خطيرة. كما ظهر قصور في الدفاعات الجوية التقليدية، خصوصاً مع فشل أنظمة مثل «إس-300» و «باور 373» في صد الموجة الأولى من الهجوم.

وترافق هذا مع ضعف نسبي في القوة الجوية، من خلال محدودية سلاح الطيران الإيراني قلّلت من قدرته على مواجهة الأسراب الجوية الحديثة أو تنفيذ عمليات بعيدة المدى.

سقوط أوهام الردع

أحداث يومي 13 و 14 حزيران كشفت أن منطق «الردع بالتهديد» سقط أمام «الردع بالفعل». كلا الطرفين انتقل إلى معادلة «الضربة بالضربة»، ما يجعل أي اشتباك مستقبلي معرضاً للتصعيد الفوري و الخروج عن السيطرة.

في ظل هذا التصعيد، تبدو “إسرائيل” و قد فتحت على نفسها حرب استنزاف مفتوحة، من دون غطاء دولي كافٍ، فيما أثبتت إيران أن خسائرها الاستخباراتية، و إن كانت موجعة، لم تفقدها القدرة على الرد المؤلم و المباشر.

في الخلاصة، ثبت “لإسرائيل” أن لا هجوم مجانياً بعد اليوم. فيومان فقط كانا كفيلين بكسر وهم «الهجوم الآمن» الذي سعت “إسرائيل” لفرضه لعقود. و ما بعد 14 حزيران ليس كما قبله، “فإسرائيل” التي اعتادت شنّ الضربات دون رد، باتت اليوم تدرك أن عمقها الاستراتيجي قابل للانكشاف، و أن كل ضربة سيُردّ عليها بأقسى منها.

الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *