المنافقون يتفقدون آثار القصف الصاروخي الإيراني على الكيان
العدوان الصهيو أمريكي على إيران (4)


د. مصطفى يوسف اللداوي*
دائماً يخفون لنجدتها، و يهبون لمساعدتها، و يخافون عليها ويقلقون من أجلها، و يتسابقون في التعاطف معها، و إظهار الحب و الولاء لها، و الحزن على مصابها، و البكاء على قتلاها، و ذرف الدموع على ضحاياها، و يتنادون لنصرتها و التضامن معها، و يؤيدونها في أفعالها و ينسون جرائمها، و يمدونها بالسلاح و المال و العتاد، و يسخرون لها منابرهم الإعلامية و منصاتهم السياسية، و لا ينتبهون إلى ما فعلته أسلحتها و ما دمرته طائراتها، و ما خلفته صواريخها، و لا يحرك ضمائرهم حجم الجرائم التي يرتكبونها، و المجازر التي ينفذونها، و أعداد الضحايا المتزايدة من الأطفال و النساء و الشيوخ وعامة المدنيين العزل و الأهالي الهاربين من القتل و الفارين من القصف.
و بالمقابل يتطرفون في التنديد بأعدائها ويبالغون في مهاجمة خصومها، و يدعون لمحاسبتها و معاقبتها، و يحرضون المجتمع الدولي ضدها، و يتآمرون عليها و يتحالفون ضدها، و ينعتونها بأبشع النعوت وأقذع الصفات، و يطلقون عليها أسوأ الألقاب، رغم أنها تصد العدوان و ترد على الجريمة، و تمارس حقها المشروع في الدفاع عن مواطنيها، و حماية حقوقها، و الحفاظ على سيادتها، و الذود عن حياضها، و ترد بحسابٍ، و تقصفُ بعقلانية، و تتجنب المدنيين و تبتعد عن المنشآت المدنية و التجمعات السكانية، و لا تستهدف الشخصيات و لا تقتل عمداً و قصداً عامة المواطنين في بيوتهم و أماكن لجوئهم.
حجم الدمار الذي تسبب به طيران العدو الإسرائيلي، التي هي طائراتٌ أمريكية هجومية حديثة، تحرص الإدارة الأمريكية على تزويد الكيان بها دون غيرها، ليتفوق بها على المنطقة و كل محيطها، و تعجز دولها عن إسقاطها أو التصدي لها، و التي خلفتها صواريخه الأمريكية الصنع أيضاً، دمارٌ كبيرٌ جداً، و خرابٌ واسعٌ طال مناطق مختلفة من إيران، و تسبب في خسائر كثيرة و ألحق أضراراً كبيرة، و أدى إلى استشهاد مئات الإيرانيين، قادةً و مسؤولين و علماء و فنيين نويين و عامةَ المواطنين، علماً أن ضراوة الغارات الإسرائيلية لا تنفي أبداً حقيقة الرد الإيراني، و لا تقلل من حدة القصف الصاروخي و آثاره التي لم يتمكن العدو من إخفائها و طمسها، و عجز عن حماية مستوطنيه من الانهيار النفسي بسببها، و محاولة الفرار و الهروب خوفاً من المزيد منها.
رغم أن قادة العالم كلهم يعرفون يقيناً أن الكيان الصهيوني و رئيس حكومته نتنياهو يمارسون في المنطقة كلها، و ضد جميع سكانها البطش و التسلط و الإرهاب، و يعتدون على دولها و ينتهكون سيادتها، و يدمرون مقدراتها، إلا أنهم يقفون معه و يؤيدونه، و يصدقون روايته، و يكررون كالببغاء سرديته، و يتماهون مع حالته، و يتباكون معه و يجأرون بالصراخ من أجله، و يلبون دعواته لهم لزيارة كيانهم، و الوقوف على أطلال مبانهم، و معاينة آثار القصف الإيراني على مناطقهم، ليروا بأم أعينهم “الجريمة الإيرانية”، و يقتنعوا بالمظلومية الإسرائيلية، و يفرضوا على دول أوروبا عامةً و الغربية خاصةً حماية اليهود و دولتهم، و الدفاع عنهم و ضمان وجودهم، و محاربة كل من يهدد كيانهم أو يستهدف وجودهم.
أمام هذه المظلومية الكاذبة و السردية المزيفة، تنشط وزارة الخارجية الإسرائيلية، في توجيه الدعوات لوزراء خارجية الدول وسفرائها، و مبعوثيها و ممثليها، و غيرهم من الوفود السياحية و العلمية و الثقافية و الفنية، لزيارة المناطق التي سقطت فيها الصواريخ الإيرانية، و معاينة آثارها و معرفة نتائجها، و الإصغاء إلى المرشدين الإسرائيليين الكاذبين، الذين يحفظون رواياتٍ أمنية معدة لهم، و مجهزة خصيصاً لتعمية زوارهم و خداع المتضامنين معهم، و تحريضهم ضد إيران، و دفعهم لإطلاق مواقف و إصدار تصريحاتٍ ضدها، تدينها و تتهمها و تحملها المسؤولية عما يجري في المنطقة، و تدعي عليها بأنها التي بدأت بالعدوان و استعدت له، وأنها التي هيأت الأجواء له و سهلته.
ألا يستطيع أولئك المنافقون الكاذبون، الأفاقون المخادعون، الدجالون المتواطئون، أن يتجاوزوا الأوامر العسكرية الإسرائيلية، و يخالفوا التحذيرات السياسية، و أن يتحرروا من التبعية الصهيونية و العبودية الأمريكية، و أن يكونوا و لو لمرةٍ واحدة في تاريخهم، عقلاء إنسانيين منطقيين، و أن يستفيقوا من غفلتهم و يوقظوا ضمائرهم، فيتجهوا قليلاً إلى الجنوب من حيث سيدهم القاتل، و رسم لهم طريقهم المعتدي الباغي، و أن يزوروا قطاع غزة المدمر، ليروا حجم الدمار الحقيقي الذي ألحقه هذا العدو المتباكي، و أن يحصوا عدد الضحايا الذين قتلهم في مجازر دموية، و مذابح موصوفة ضد الإنسانية، حينها يكون ضميرهم قد صحا، و إنسانيتهم قد استعيدت، و إن كنت و غيري لا نظن أبداً أنهم يريدون أن يستيقظوا من غفلتهم، و أن يعودوا إلى رشدهم، و أن يصطفوا إلى جانب جنسهم الإنساني، ذلك أنهم سبب المشكلة و أساس الأزمة، و صناع الكيان و رعاته، و زارعوه في منطقتنا كخنجرٍ مسمومٍ و حماته.
بيروت في 29/6/2025
moustafa.leddawi@gmail.com