أقلام الوطن

الدنيا دولابٌ و الزمنُ دوَّارٌ

العدوان الصهيو أمريكي على إيران (3)

د. مصطفى يوسف اللداوي
د. مصطفى يوسف اللداوي

د. مصطفى يوسف اللداوي*

صحيحٌ أنه مثلٌ عربيٌ قديمٌ، و كلماتُ حكماء بعد طول تجربةٍ و خبرةٍ و أناةٍ في الحياة، إلا أنها حكمة عامة و ليست عربيةً خالصة، و تكاد تكون موجودة في تراث الأمم و أمثالها الشعبية، إذ تؤمن بها الشعوب كلها، و تلجأ إليها عادةً للتعبير عن حالها في لحظات الانكسار و الهزيمة، أو الفقد و الخسارة، للتعبير عن أن الخسارة ليست كلية، و أن الهزيمة ليست أبدية، و أن الزمن قد يعوضهم و ينقلب لصالحهم، و أنه “ما من طلعة إلا وراءها نزلة”، حيث تأتي أيضاً رداً على الفائزين و المنتصرين، و الكاسبين و المحظوظين، و المغرورين و المتغطرسين، و تحذرهم أن الأيام دول، و أن الحياة دولاب، و أن الفرحة لا تدوم و لا تبقى، و الحزن عابرٌ و يمرُ.
وهي للحق حكمةٌ ذهبية، تستحق التأمل و العبرة، و الاستفادة منها و التعلم و كسب الخبرة، و لا ينبغي الاستهتار بها و عدم الإصغاء لقائلها أياً كان، عدواً أو صديقاً، أو الانشغال بها و القلق بسببها، إذ علمتنا الحياة أنها حكمة صحيحة، و أنها تتكرر دائماً في كل زمانٍ و مكانٍ، فطوبى لمن سمعها و وعيها، و تعلم منها و استفاد، و أخذ العبرة من احداثها و سلم من ويلاتها.
اليوم يطل علينا الإعلامي الصهيوني الخبيث إيدي كوهين بهذا المثل العربي، يعرضه على صفحته، و تتناقله وسائل الإعلام و تنشره، و هو يتبجح به بكل صفاقةٍ و وقاحةٍ، و يخاطب به العرب و المسلمين في ظل الاستعلاء الذي يعيشه و كيانه في الحرب الصهيو أمريكية خلال عدوانهم على إيران، و يقول لمصر التي يرتبط كيانه معها باتفاقية سلام، مخاطباً المصريين المنحازين إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، و الذين يؤيدونها في حربها ضد الكيان، و يفرحون لها كلما قصفت أهدافاً في فلسطين المحتلة، و أصابت مقار و مراكز و مواقع عسكرية و أمنية، و ألحقت أضراراً بالمباني والمساكن.

و الذين يعبرون عن شماتتهم بعدوهم و عدو الأمة كلها، الذي شرد الفلسطينيين في قطاع غزة، و دمر بيوتهم و أحال حياتهم إلى جحيمٍ لا تطاق، فلا يجدون إلا أن يظهروا شماتتهم بمستوطنيه الذين ألجأتهم الصواريخ و المسيرات الإيرانية إلى النزول إلى الملاجئ و المبيت فيها، و اللجوء إليها ساعاتٍ طويلة في الليل والنهار هرباً من القصف الصاروخي الإيراني، و مسيراته التي باتت تصل إليهم، و تدمر مبانيهم، و تحرق سياراتهم، و تحول شوارعهم إلى هشيمٍ و دمارٍ، يذكرهم بما فعلوه مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
يخاطب إيدي كوهين الشعب المصري العربي الأصيل، المسلم الحصيف، الصادق المخلص، الثائر الحر الغيور، و يصب جام غضبه على عامة المصريين الذين يعبرون بفطرتهم السليمة، و عقيدتهم الصحيحة، و عفويتهم البسيطة عن فرحتهم بما يصيب العدو الإسرائيلي و مستوطنيه، و عن سعادتهم بألوان الثأر و البأس و الانتقام التي بات يتجرعها من حيث لا يحتسب، و قد كان يظن بسفهٍ و غرورٍ أنه دائماً يغزو و لا يغزى، و يَقتُل و لا يُقتل، و يُقاتِل و لا يُقَاتَل، إلا أن الصواريخ الإيرانية أيقظته من سكرته، و أعادته إلى وعيه، و أعلمته أن هذه الأمة ما زالت بخير، و أنها قادرة على النيل منه و إيلامه، و تتطلع إلى قهره و الانتصار عليه.
غضب إيدي كوهين و هو الذي ينطق باسم الإسرائيليين بلا تمييز، و يعبر عن معتقداتهم بلا خوف، و يكشف عن نواياهم بلا تردد، و المعروف عنه أنه وقحٌ لا يخجل، و صفيقٌ لا يسكت، و هدد المصريين، الذين هم جزءٌ أصيلٌ من هذه الأمة، بأن الأيام دولٌ و الحياة دولاب، و غداً سيصيبكم ما أصاب الإيرانيين و اللبنانيين و الفلسطينيين، و ستصلكم الصواريخ الإسرائيلية كما وصلت إلى سوريا و إيران، فلا تفرحوا كثيراً، و لن تشمتوا بنا طويلاً، فالعالم معنا، و الولايات الأمريكية تدعمنا، و هي تقاتل معنا، و غداً ستقصف إيران إلى جانبنا، و أنتم لا تملكون إلا أن تقفوا معنا و تؤيدونا، أو تسكتوا عنا و تتعاونوا معنا.
وكان كوهين قد سبق ذلك بتوجيه تهديدٍ صريحٍ و مباشرٍ إلى الدول المطبعة مع كيانه، و إلى تلك التي تتطلع إلى التطبيع معه، و توقيع اتفاقيات سلامٍ مشتركة، أن هذا التطبيع لن يكون بالمجان، و لن يكون هبةً و لا منحةً و لا صدقةً و إحساناً، و أن على الأنظمة العربية أن تدفع الجزية “لإسرائيل”، و أن تقدم بين يدي الاتفاقيات ما يؤهلها لأن تكون تحت التاج الإسرائيلي، و داخل منظومة الدفاع و الحماية الصهيونية، و إلا فإنها سيصيبها ما أصاب غيرها، و لن ينفعها أحدٌ، و كأن كيانه قد أنهى الحرب و انتصر، و حقق الأهداف التي يرجوها و وصل إلى الغايات التي يتطلع إليها.
لا تخلُ كلمات إيدي كوهين من إهانة، و لا من مفردات الذل و الصغار و هو يخاطب العرب و المسلمين أنظمةً و شعوباً و يقرعهم و يهزأ بهم و يتهكم عليهم، و هو لا يفتأ يتهم الأنظمة و الحكومات بأنها أدواتٌ و آليات لخدمة المشروع الصهيوني، و لا يتورع عن وصف بعضهم بأنهم صهاينة أكثر منه، و أنهم أكثر إخلاصاً لكيانه منه، ما يجعلنا اليوم نقف في وجهه بقوةٍ و صلابةٍ، و بتحدٍ و إرادةٍ، و وحدةٍ و إجماعاً، نؤيد إيران و نقف معها، و نساندها و نخذل عنها، و نتعاون معها و لا نخذلها، فانتصارها عليه انتصارٌ لنا، و عزةٌ وتمكينٌ لنا في بلادنا، و كسر شوكتها و التآمر عليها نهاية لوجودنا و شطبٌ لهويتنا، فلنكن معها بصدقٍ لنفسد مشروع عدونا، و نحبط خططه، و نقلب له ظهر المجن، و نعلمه باتفاقنا و تضامننا أن الزمن سيدور لكن عليهم وحدهم، و أن دولاب الدنيا سيقف لكن على حطام كيانهم.

بيروت في 21/6/2025
moustafa.leddawi@gmail.com

العدوان الصهيو أمريكي على إيران (1)

العدوان الصهيو أمريكي على إيران (2)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *