العراق و الشام من وعي عروبي قبل قرنين إلى إنحطاط راهنيا

قراءة في كتاب:
العراق في وثائق محمد علي
دراسة وتحقيق الدكتور عماد عبد السلام رؤوف
بيت الحكمة ،
الدورية الوثائقية 4 بغداد 1999.

د. عادل سماره
مدخل:
كنت أحضرت مجموعة من المطبوعات العراقية خلال زيارة تضامنية مع العراق وحضور مؤتمر المشروع النهضوي العربي في مواجهة الإمبريالية عام 1999. وهذا الكتاب من ضمن ما أحضرته في تلك الزيارة.
الكتاب توثيق هام جداً للوعي القومي المبكر في العراق وسوريا في عهد محمد علي ضد التتريك العثماني للعرب أي قبل قرابة قرنين. الكتاب هام وخاصة حين نقارن مواقف عرب العراق وسوريا لصالح دولة مصر في عهد محمد علي بانحطاط الوعي القومي العروبي اليوم في أوساط قطاعات واسعة في نفس القطرين العربيين أي العراق وسوريا مما يؤكد أن الوعي القومي يعلو في حقبة الصعود ويخفت ويضيع في لحظة انتصار الدولة القطرية على الدولة العربية الواحدة ولحظة غرق قطاعات شعبية كثيرة في برميل الغائط الطائفي، وفقدان حركة التحرر العربي للشارع أي خسارته لصالح قوى الدينسياسي والاستشراق الإرهابي وملخص هذا استدخال الهزيمة وعجز حركة التحرر والوحدة العربية عن إستعادة الشارع.
عرض مضمون الكتاب:
الوثيقة 4
مقدمة:
موقف محمد علي من محاولة داود باشا الاستقلال عن العثمانية سنة 1246 هـ 1831 م
“… فإنه أي محمد علي كان في ذلك الحين يخطط لاكتساح بلاد الشام ، وفيها أهم الولايات العثمانية، ويستعد ، من ثم، لمنازلة جيوشها, وتفسر عبارات الرسالة ، التي صيغت بعناية بالغة، هذا الموقف المتناقض ، فمحمد علي يصرح برغبته في القائه القبض على داود ” من تلقاء نفسه” ودون انتظار الإذن من السلطان، فإنه يمهد لنفسه بالتدخل في شؤون بلاد الشام ومن ثم ضمها إلى مصر في دولة واحدة…. كما توضح الرسالة الى تقريب بكر أغا الكركوكلي ، وكان هذا عراقيا قد لجأ الى مصر ، من الدوائر السياسية في العاصمة العثمانية ، لحجة أنه يملك أسرارا عن داود، وتوضح الأحداث الآتية أن محمد علي سيرشح بكر آغا المذكور واليا بشؤون العراق وحتى قبل أن يدخل بقواته بلاد الشام… ومن جهة اخرى ، فان الرسالة تنوه بدور أحد اليهود العراقيين في مصر واسمه يوسف بن حسقيل) في تزويد الدوائر السياسية العثمانية في استانبول بالمعلومات عن داود، وكان أبوه حسقيل قد شارك في مؤامرة نجحت في القضاء على والي بغداد السابق سعيد باشا سنة 1231 هـ 1816 م ، وذلك بتحريض اخيه عزرا الذي سعى في تعيينه رئيسا لصرافي بغداد على ضرب النقود باسم سعيد باشا مما جعله يبدو منفصلا عن الدولة المركزية وتكشف الرسالة بصورة عرضية ، عن مصير حسقيل المذكور، فهو قد نفي الى بغداد حيث أعدمه داود باشا، ولكنها لا توضح أسباب إعدامه، لأن داود يدين بحكمه لموقف الدولة العثمانية السلبي من سلفه سعيد باشا”. (ص ص 20-21 من كتاب المصدر)
النقطة المركزية هنا أن محمد علي كان بصدد تحرير الشام والعراق وضمهما إلى مصر سواء كتمهيد لإسقاط الدولة العثمانية أو للانفصال عنها في دولة تضم مصر والعراق والشام. وعلى ضوء هذا سنتابع في هذا المقال الخيط الأساسي لكتابة هذه المراجعة وهي موقف أهل العراق والشام من الوحدة مع مصر وليس البقاء تحت الاستعمار العثماني.
أمَّا وهذا طموح محمد علي، فهذا يضعه في تناقض مع مشروع داود باشا في الانفصال بالعراق. لكن لا تتوفر معلومات فيما إذا كان محمد علي قد تواصل مع داود باشا لتعاون أم التحالف…الخ.
الوثيقة 9
مقدمة:
“… وعلى اية حال فان الوثيقة تكشف عن جهود كانت تبذل من أجل استجلاب ولاء بعض القبائل العربية في منطقة الجزيرة الفراتية وبادية الشام لصالح الموقف العثماني المعادي للوجود المصري في الشام”(ص 28 من كتاب المصدر)
تؤكد هذه الفقرة أن العثمانية كانت قلقة من صعود محمد علي، وكانت قلقة من تحول العرب في العراق والشام لصالح الدولة المصرية أي أن السلطة العثمانية كانت تدرك بأن الولاء هو للمسألة القومية وليس لمزاعم الخلافة العثمانية.
الوثيقة 14
“… وفي التقرير بعد ذلك، بيان بالموقف الشعبي في بلاد الشام من تلك الأوضاع، وهو موقف كان منحازا حتى ذلك الوقت للقيادة المصرية، و متمثلا بعدم إبداء أي عون للعثمانيين” ( ص 34 من كتاب المصدر)
محفظة 235 الوثيقة 89 عابدين من تقرير يوم الاحد الموافق 12 محرم 1248
” … كان أحد المعتمدين من أهل الشام في معسكر حمص، وكان ذهب لقضاء بعض الأمور، فأخبرنا بعد ان عاد : أنه كان جالسا في خيمة تفنكجي باشي والي حلب إذ قال التتنكجي باشا ماذا يصنع مولانا بأهل الشام ؟ يسالهم تارة ذخيرة وتارة خياما فلا يرسلون شيئا منهما ويلتمسون ضروبا من الأعذار والحجج . وقد مالوا جميعا الى ابراهيم باشا سوى رجلين ولقد سألهم طريقا يمر منه فأبوا” ( ص 35 من كتاب المصدر)
تشير هذه الفقرة إلى شكل من العصيان المدني والمقاطعة من جانب أكثرية العرب في بلاد الشام ضد السلطة العثمانية وهذا يمكن اعتباره مقدمة للانضمام للدولة المصرية.
الوثيقة 15
مقدمة:
“… تقرير لم يذكر معدوه مرفوع إلى أمير جبل لبنان المتعاون مع القيادة المصرية ، بشير الشهابي، ويتضمن معلومات حصل على بعضها من تاجر قادم من حلب، ومفادها أن بعض القبائل العربية في نجد قد قررت الانضمام الى جبهة القوى الشعبية المتحالفة مع قيادة إبراهيم باشا في الشام “. ( ص 35 من كتاب المصدر).
هامش 56 في نفس الصفحة:
“… هو المير بشير بن قاسم الشهابي ، ولد سنة 1173 هـ / 1760 م وتولى امارة لبنان سنة 1203 وايد ابراهيم باشا، ولما انسحب الأخير من بلاد الشام قبض عليه الإنجليز نفوه إلى مالطا سنة 1256 هـ، ثم انتقل الى بعض الأراضي العثمانية حتى توفي في استانبول سنة 1266 هـ / 1859 م.” (ص 35 من كتاب المصدر)
محفظة رقم 235 عابدين ملف محرم 1248 ترجمة وتلخيص الوثيقة التركية رقم 84 بتاريخ 12 محرم 1248
“… تلخيص صورتي الكتابين الواردين إلى الأمير بشير من الشام ، والمرسلين إلى الخواجة حنا ، و أحدهما مؤرخ 28 ذي الحجة 1247 وفيه : وصل من حلب كتاب إلى أحد التجار هنا يتضمن خبرا مؤداه أن عربان نجد قادمة لنجدة والي مصر. ويطلب مرسل الكتاب عدم ارسال شيء لعدم الأمن في الطريق، ” (ص 36 من كتاب الأصل)
الوثيقة 17
مقدمة:
“… تقرير اعدته الادارة المصرية في حلب ويتضمن معلومات حصلت عليها من أحد السعاة المصريين كان فيما يبدو في بغداد مهمة ذات طبيعة استخبارية . ويتحدث التقرير عن انتفاضة جرت في بغداد ضد واليها رضا باشا اللاظ، ومن الواضح انه يشير الى الانتفاضة التي قادها مفتي بغداد عبد الغني آل جميل والتي وجدت من مجلة قنبر علي حيث دار المفتي منطلقا لها ، ويكشف التقرير عن انحياز نصف أهل بغداد الى جانب تلك الانتفاضة ، وان السكان كانوا ينتظرون وصول الجيش المصري للانضمام إليه مما قد يوحي بوجود نوع من التنسيق أو التداعي على الأقل بين الثوار والقيادة المصرية في الشام . ومن ناحية اخرى فان التقرير يوضح موقف احد زعماء قبيلة عنزة الذي انشق عن ابن عمه الموالي لوالي بغداد علي رضا باشا وانحاز إلى القيادة المصرية” (ص ص 38 ، 39 من كتاب المصدر)
الوثيقة 20
مقدمة:
“… تقرير يومي اعدته الادارة المصرية في مدينة دمشق يتضمن معلومات عن تأييد بعض زعماء قبيلة عنزة النازلة في ضواحي الجزيرة الفراتية للادارة المصرية في الشام، والتحاق الشيخ حمد المهنا من اولئك الزعماء بقوات إبراهيم باشا” ( ص 43 من كتاب الأصل)
محفظة 240 عابدين
تقرير وحيد أفندي ليوم السبت 4 من جمادي الآخر 1248
“… إلا أن الباشا المشار اليه بعد ان انهزم في قتال حمص جاء حلب مع بقية الصنوف من الجنود المتعبين والباشوات المنهزمين، ولما سمعوا بقدوم عساكر مصر المنصورين مرحلة تل السلطان تركوا شيئا كثيرا من الخيم… وهرب هو الى عينتاب في ثلاثة آلاف من الفرسان كما قالوا. ولما بلغ عينتاب تسلح اهلها عموما طردوه منها ، وبقي معه من اولئك الفرسان نحو ثمانمائة فارس وتشتت الباقون” ( ص 56 من كتاب المصدر)
هنا ينتقل موقف مؤيدي مصر إلى التمرد على العثماني والاشتباك مع جنوده.
الوثيقة 34
مقدمة:
“… تقرير اعده احد قادة الجيوش المصرية في للشام ورفعه الى ابراهيم باشا القائد العام لتلك الجيوش ، يتضمن اقتراحه بعدم تجاوز الجيش حلب، بسبب النقص في الذخائر ويظهر ان ابراهيم باشا أخذ بالمقترح على نحو مؤقت. على ان يعاود الجيش تقدمه في الربيع. والوثيقة تلقي ضوءا على الموقف المتردد الذي وقفته القيادة المصرية ، وبخاصة محمد علي نفسه، من فكرة التوسع شرقا ، ومن ثم ترك التدخل المباشر في شؤون العراق. ومن نافلة القول ان هذا التردد هو الذي ادى الى ان يتخذ العثمانيون العراق قاعدة لكل عملياتهم العسكرية الموجهة ضد الوجود المصري في الشام، وفي الخليج العربي ونجد ايضا” ( ص 59 من كتاب الأصل)
الوثيقة 37
مقدمة:
“… تقرير للإدارة المصرية في الشام يشير إلى أن زعماء قبيلة عنزة قد اخذوا يقطعون الطريق بسبب عدم صرف مرتباتهم المسماة (خاوة)، وبذا فإن التقرير يكشف عن تلك الخاوة كانت بمثابة رواتب تدفعها لهم السلطة العثمانية السابقة. فلما زالت السلطة المذكورة، وامتنعت الإدارة المصرية الجديدة عن مواصلة الدفع ، قام بعض زعماء القبيلة بمثل تلك الأعمال المعكرة لصفو الأمن، وليس ببعيد أن يكون ذلك بتحريض من الجانب العثماني ، فقد وجدنا أن بعض زعماء القبيلة ينحاز الى والي بغداد العثماني علي رضا باشا كما في الوثيقة 14″( ص 61 من كتاب الأصل)
يُظهر هذا المقتطف الفارق بين المواطن العادي وزعماء القبائل الذين يتحالفون مع السلطات مقابل منافع وأُعطيات لهم. وهذا يمكن فهمه على أرضية البنية الطبقية بغض النظر عن حدود تبلور الفوارق الطبقية أو طبيعة هذه الفوارق في مجتمع لم يترسمل بعد. والمهم أن زعماء القبائل هم غالباً مع من يدفع لهم أو يغريهم بغض النظر عن المسألة الوطنية/القومية، وهنا يصبح المواطن بين خيارين: الولاء للزعيم أم لسلطة الدولة.
الوثيقة 41
“…أمر من محمد علي باشا الى ابراهيم باشا قائد الجيوش المصرية في الشام يقضي بالاستجابة الى رغبة اهالي مدينة الرقة ، في الفرات الاعلى ، بإعلان ضم مدينتهم إلى الادارة المصرية في الشام . والوثيقة تكشف عن ميل اهل تلك المناطق الى حكم محمد علي ، أو نفورهم من الحكم العثماني لبلادهم”( ص 65 من كتاب الأصل)
هنا ينتقل الناس إلى المبادرة بأن تضمهم الإدارة المصرية وهذه درجة متقدمة بأكثر من التشكي والاحتجاج.
الوثيقة 43
مقدمة:
” أمر من محمد علي الى ابنه ابراهيم باشا قائد الجيوش المصرية في الشام بمنع استيراد البن عن طريق العراق ، وكان التجار العراقيون يستوردونه عن طريق مسقط، الى أن غدت في هذا الوقت تحت نفوذ الدولة الوهابية” (ص 66 من كتاب الأصل).
دفتر 210 أمر 583 أمر إلى السر عسكر باشا 9 ربيع الأول 1249.
“… بان يمنع ادخال البن الأجنبي الوارد بطريق بغداد ، وان يفتي بترويج البن الذي في ذمة الحكومة لمنع تسرب النقود الى البلاد الاجنبية”( ص 67 من كتاب الأصل)
الوثيقة 65
مقدمة:
“… يحاول محمد علي في هذه الوثيقة أن يتذرع بذريعة سيادة الدولة العثمانية على اراضيها من اجل التخلص من أي وعد قطعه للبريطانيين بشأن تقديم التسهيلات لتنفيذ الخط الملاحي البريطاني في نهر الفرات. والغريب ان في الوقت الذي يتحدث فيه عن سيادة الدولة العثمانية، كانت قواته المسلحة قد احتلت بلاد الشام كلها وشرع ابراهيم باشا يهدد بالتقدم لدخول العاصمة العثمانية نفسها. ومن الواضح أن الهدف الذي توخاه محمد علي من ذكر هذا المبدأ الذي لم يعد له أدنى وجود على أرض الواقع، هو أن يوحي لبريطانيا أنه لا يفكر بتغيير الوضع الراهن على وفق ما أقرته معاهدة كوتاهية بينه وبين العثمانيين”( ص 92 من كتاب الأصل)
هنا محمد علي مضطر للمناورة بين الإنجليز والعثمانيين بحيث يُحيل التناقض بينهما وبأنه متقيد بسلطة الدولة العثمانية، ومن الواضح أنه يدرك بأنهما في النهاية يتحالفان ضده.
الوثيقة 66
مقدمة:
“… في الوقت الذي ينجح فيه الإنجليز في الحصول على موافقة الدولة العثمانية على إنشاء خطهم الملاحي في الفرات، يحاول محمد علي ، كما تكشف عنه هذه الوثائق الإمساك بعصا المشروع المذكور من وسطها، فهو إذ يسعى الى إثارة عراقيل أمام الإنجليز بكل سبيل، يتعمد عدم إثارة حفيظتهم ما أمكنه ذلك. ولذا قام بأمر بجمع المعلومات التفصيلية عن المشروع بسرية مطلقة”( ص 93 من كتاب الأصل)
سجل 212 عابدين رقم 113
من الجناب العالي إلى شريف باشا في 6 ربيع الثاني 1251
“…خلاصة: يتخذ كتابه هذا تكملة لكتابه الآخر المؤرخ في اليوم نفسه، فيأمر شريف باشا بأن يحقق أمر الخشب الكبير الذي يحاول الانجليز شراءه لأجل مصلحة الفرات ، من اين يعتزمون اخذه؟ وكيف يريدون نقله ، افسيلقونه في الفرات يسوقه تياره ام سيمكنهم نقله بالجمال والعربات ؟ وفيما يبتغون استعمال هذا الخشب في إنشاء السفن ام في صنع ادوات اخرى؟ على ان يكون تحقيقه وتحريه سريا ومن غير (علم) الإنجليز، فإذا تم له تحقيق ذلك فليكتب الى الباب العالي على وجه الوضوح” ( ص 94 من كتاب الأصل).
هنا يحاول محمد علي التقرب من الباب العالي على حساب الإنجليز باعتبارهم عدو مشترك، كما أن له مصلحة في متابعة خطط الإستعمار الإنجليزي لأنه يتحرك في القطر الذي يعمل على ضمه لدولة مصر.
الوثيقة 67
مقدمة:
” تعليمات من ديوان محمد علي الى ابراهيم باشا حول عدم إعطاء المدير الثاني لشركة جسيني أية وثائق لتسهيل مهمته بحجة ان امرا كهذا يقتضي الحصول على موافقة الدولة العثمانية، ويطلب منه تحسين معاملة الأوروبيين في الشام، وتخفيف الأعباء عن الاهالي بسبب ان البريطانيين يشنون حربا اعلامية على مصر في الصحف. وواضح من الفقرة الاخيرة ان الانجليز أخذوا بالاستفادة من الثورات التي نشبت في بعض المناطق الشامية في هذه المدة، مثل ثورات النصيرية وحوران من أجل إثارة المتاعب أمام الادارة المصرية في الداخل من جهة ، والدعاية ضدها في الخارج”( ص 94 من كتاب الأصل)
هنا يتنبه محمد علي اكثر لمخططات الإنجليز، فيخفف التناقض مع السلطة العثمانية، ويدفع باتجاه تحسين معاملة الأوروبيين الآخرين والأهالي كي يقلل من تأثير المخططات البريطانية.
هامش 150 من نفس الصفحة: “… ويذكر عبد الرحمن الرافعي في هذا الصدد ” انه يجب ان لا يغرب عن البال ما كان للدسائس الانجليزية والتركية من الأثر في تحريض السوريين على الثورة” (عصر محمد علي ، القاهرة 1951، ص 309) ( ص 94 من كتاب الأصل)
هذا يبين كم كانت مهمة محمد علي صعبة. صحيح أن الكوكب لم يكن حتى حينها قد خضع لسيطرة نظام عالمي بإشراف قطب عالمي محدد ولكن كانت هناك دول كبرى لها مصالحها العدوانية في بلادنا بشكل خاص فهي مرحلة الإستعمار الأوروبي والثورة الصناعية في أوروبا الغربية.
سجل 212 غابدين رقم 117
من المعية إلى مولانا الباشا السر عسكر في 23 ربيع الثاني 1251
“… فمن ثم يرجو الجناب العالي أن يراعي السرعسكر هذه الملابسات فيحسن معاملة من في بر الشام من الأوروبيين ويخفف عبء التكاليف عن عاتق الأهلين بمداراة للأمور واكتسابا للوقت وسدا لأفواه الانجليز ان تنفخ في بوق الدعاوة”(95 من كتاب الأصل)
واضح قلق محمد علي من خبث مخططات الاستعمار الإنجليزي ولا شك أنه كان يدرك بأن أوروبا كانت تنتظر لحظة سيطرتها على مختلف أطراف الدولة العثمانية لا سيما وقد أسمتها ب
“الرجل المريض”.
الوثيقة 68
مقدمة
“…إرسالية من والي بغداد رضا باشا اللاظ إلى تركي بن عبد الله آل سعود يستميله فيها إلى جانب العثمانيين، وكان تركي يخوض في ذلك الوقت صراعا ضد خالد بن سعود الذي وضع ثقله إلى جانب المصريين” (ص 96 من كتاب الأصل).
يبين هذا النص أن اللاعبين ليسوا الأجانب والعثمانيين فقط، بل إن المحليين هم لاعبين كذلك بعضهم مع محمد علي والبعض لا .
الوثيقة 69
مقدمة
“… تقرير من حافظ سليمان صدقي ناظر مجلس ومحافظ جدة الى كبير معاوني محمد علي باشا يخبره فيه بأن والي بغداد رضا باشا اللاظ هاجم بقواته مدينة المحمرة، من مدن الأحواز، وأن مشايخها عادوا الى حكمها بعد انتهاء الهجوم، وبما أن تاريخ هذا الهجوم هو 23 رجب سنة 1253، فان الخبر يبدو متأخرا عن ذلك التاريخ بنحو ستة أشهر، ومشايخ المدينة لم ياخذوها من والي بغداد ، على ما ورد في التقرير وإنما الأخير هو الذي أعاد اميرها الحاج جابر الكعبي الى حكمها. اما ما تشير إليه الوثيقة من اقتراب شاه العجم بجيشه من بغداد فلا دليل عليه من المصادر المحلية”( ص ص 97-98 من كتاب الاص)
الأحواز/ عربستان هي جزء من العراق، ولكن لاحقاً قامت إيران باحتلالها، ولا تزال هي من القضايا العالقة بين إيران والعراق وهي من أسباب حرب عام 1990 بين الدولتين.
محفظة 264 عابدين
صورة الوثيقة العربية رقم 138 حمراء بتاريخ 9 صفر 1254
من حافظ سليمان صدقي إلى باشمعاون الخديوي
“… وكما يخبروا أن شاه العجم جهز عساكر على بغداد ووصلت قريب من بغداد مسافة يومين ، وان الشاه المذكور أمر حاكم شيراز الذي قرب ابو شهر بأن يخرج عساكره إلى أبو شهر ويتوجه بهم عن طريق البر والبصرة من طريق البحر هذا ما بلغنا من أخبار تلك الجهات” (ص 98 من كتاب الأصل).
الوثيقة 71
مقدمة:
“… والوثيقة توضح تمرد القوات العثمانية في البصرة على والي بغداد علي رضا أللاظ، وميلهم الصريح إلى جانب دولة محمد علي ، الى حد اختيارهم التطوع في قواته”(ص 100 من كتاب الأصل)
يفيد هذا المقتطف حصول تطور أهم وهو تحول قوات عثمانية لصالح محمد علي.
الوثيقة 72
مقدمة
“… يوضح هذا التقرير ظاهرة فرار الجنود العثمانيين من البصرة التحاقهم بالقوات المصرية في نجد والأحساء عن طريق البحرين” ( ص 104 من كتاب الأصل)
تفيد قراءة هذه التطورات بأن وضع العثمانية كان متردياً، وعليه، فلو كان الصراع بين مصر والعثمانية وحدهما لكان محمد علي قد وصل الاستانة نفسها وافتتحها. وهذا يلقي الضوء على أسباب تحالف بريطانيا وبروسيا والنمسا وروسيا مع تركيا ضد محمد علي الذي حالفته فرنسا ثم انحازت ضد ويؤكد محاججتنا بأن الوطن العربي قيد الإستهداف من الغرب منذ ثلاثة قرون.
الوثيقة 89
مقدمة
“… تقرير مفصل أعده قائد الجيوش المصرية في نجد خورشيد باشا يستند في معلوماته الى قاضي الزبير السابق حمود بن جسار وهو يصف احداث العراق، ومنها نشوب ثورة في الموصل ضد الحكم العثماني، وموالية للإدارة المصرية في الشام، ووجود حزب من العشائر النجدية في بغداد مستعد لاعلان انضمامه الى جانب مصر بمجرد معرفتهم تنوجه قائد تلك الجيوش إلى البصرة، واستعداد قبطان البصرة المسمى تركجة يلماز تقديم ولائه له، وتهيؤ اعيان البصرة لتسليم المدينة اليه، ومثلهم أعيان بلدة الزبير وعلمائها. وفي التقرير صور لرسائل من شيوخ المنتفق يعلنون فيها تأييدهم لخورشيد باشا في حال تقدمه إلى البصرة” ( ص 122 من كتاب الأصل).
يفيد المقتطف بأن تأييد الدولة المصرية وصل درجة الثورة في بعض المناطق وامتد إلى نجد أي بأوسع من العراق والشام.
وبـــعد
أفادت هذه النصوص من الكتاب بأن العرب في العراق والشام وحتى البعض من نجد كانوا مؤيدين للانضمام إلى الدولة المصرية. وهذا يعني أنهم يفضلونها على السلطة العثمانية مما يؤكد بأن السبب الأساس هو القومي والتاريخي وليس الطائفي/الديني.
ولكن، من يطالع كتب في التاريخ، فهناك من كتبوا بأن فترة الحكم المصري في بلاد الشام كانت فترة قمع وبأن الناس اثُقلوا بالضرائب ووقفوا ضد إبراهيم باشا. وقد يكون هذا في الفترة المتأخرة من وجود السلطة المصرية في بلاد الشام، أو بسبب التحالف التحريضي التركي الغربي…الخ. ومع ذلك فالوثائق تؤكد انحياز الناس لمصر على الأقل في الفترة الزمنية التي تعالجها هذه الوثائق.
هنا تجدر الإشارة إلى الإنتصارات التي حققها الجيش المصري في بلاد الشام بقيادة إبراهيم باشا وكذلك نتائج حملة محمد علي على الحجاز والسودان وهي حملات ناجحة أدت ، كما يبدو، لتأييد شعبي للنظام المصري مما يؤكد أن للقيادة الكفوءة دور في ارتقاء وعي وجاهزية الشعب للتصدي.
لذا، يظل سؤال نقاشنا هذا ليس هنا، وإنما في المقارنة بين موقف اهل تلك الأقطار حينها وموقفهم أو مواقفهم اليوم؟
أشرنا في سياق قراءة الوثائق بأن فترة صعود مصر محمد علي كانت أفضل من ما بعدها حيث لم تكن هناك دولة عظمى تفرض نظاماً عالمياً على مقاس قوتها ومصالحها. فقد سمحت فترة صعود مصر محمد علي لصعود دولتين هما: مصر في عهد محمد علي واليابان في عهد آل ميجي. وكأن الدولتين نهضتا في فترة يمكن القول بأنها “في غفلة من الزمن”. لكنها لم تكن فترة غفلة تامة في حالة مصر حيث تحالفت الدول الأوروبية : بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا مع العثمانية ثم تبعتهن فرنسا وكان قرارهن القضاء المبرم على تجربة مصر هذه، وبالطبع كان لكل دولة مصلحتها في دعمها المؤقت للعثمانية كي تقتطع منها ما يمكن إقتطاعه وعلم هذه الدول بأن مصر قوية سوف تقطع عليهن أطماعهن. .
بالمقابل، كانت في الفترة نفسها تقريباً تجربة نهوض اليابان والتي لم يتم العدوان ضدها كما في مصر، وقد يعود السبب أن مصر أقرب إلى هذه الدول الأوروبية بمعنى أن مصالحهن في وراثة العثمانية هي أقرب للمنال وأقرب جغرافياً إذا ما قرأنا الأمر في نطاق المدى الحيوي.
وحين توصلت أوروبا إلى قيادة العالم بشكل فعلي رغم منافسة بريطانيا وفرنسا، كانت اليابان قد أقلعت. وفي حين لم يكن تبادل اليابان واسعاً مع هذه الدول كانت مصر أكثر متاجرة مع الغرب بل كانت الدولة العثمانية قد أُخترقت بالشركات الأوروبية وبالبعثات الدبلوماسية ولذا لم تنفع محاولات السلطات العثمانية في إحتجاز رسملة البلاد حيث نجحت تجارة التهريب في غمر الأسواق وكل هذا شكَّل حافزاً اقوى للتدخل الأوروبي ضد محمد علي في مصر. ولذا كان ندم الغرب على إفلات اليابان بعبارة “لا يابان بعد اليابان” وهذا ما يمكن وصفه من جانب الغرب ب إحتجاز التطور، ومن جانب اليابان فرصة عدم الإرتباط أو فك الإرتباط . وربما استمد سمير أمين في أطروحته “فك الإرتباط” من تجربة اليابان حيث يكون النمو أكثر سهولة.
وبالمناسبة فإن المزاعم الأمريكية ،خاصة هذه الأيام، بأن الصين الشعبية قد أفلتت في تطورها على حين غرة من “السهو” الأمريكي، وهذا طبعاً يستدعي إفلات اليابان التي تحولت هي نفسها إلى قوة إمبريالية متوحشة. وهنا يكون السؤال: هل بالضرورة أن تتحول أية دولة أفلتت من إحتجاز التطور إلى قوة استعمارية؟ هذا محتملا وليس شرطاً. لكن المهم أن إفلات مصر كان سيقود إلى وطن عربي مختلف.
لتقويض النهوض المصري تحالفت كل من بريطانيا والنمسا وبروسيا وروسيا مع السلطة العثمانية ضد القوات المصرية التي تحالفت معها فرنسا في البداية ثم ما لبثت أن إرتدت لصالح الطرف الآخر في أكتوبر 1840 كي لا تُعزل سياسياً من بقية الدول العظمى حينها.
لم تكن الدول الأوروبية حليفة للعثمانية ولكنها كانت تخشى انتصار محمد علي وبالتالي وراثة العثمانية المهزومة وتكوين دولة عربية قوية ، كيف لا وقد أسموا العثمانية بالرجل المريض وكانوا دائماً بانتظار وراثتها واقتسامها.
ولاحتجاز نهوض مصر فقد فُرضت عليها بعد هزيمتها عام 1840 شروطا مجحفة منها أن لا يزيد عدد الجيش المصري عن 18000 رجل، وحرمانه من حق تعيين جنرالات ومن حق بناء السفن الحربية. وهذه الشروط شبيهة بالشروط التي فُرضت على العراق عام 1991 بعد أن حرَّر الكويت وتم العدوان الثلاثيني ضده، ومن هذه الشروط المنطقة العازلة.
وللإضاءة على تجربة محمد علي، فقد وقف عام 1833 خطيبا في المصريين وقال مفتخرا بما أنجزه من خلال تطوير الاقتصاد المصري في ظل احتكار الدولة ليقول:
” نعم، لقد أخذت كل شيء ، ولكنني فعلت هذا كي اجعل كل شيء مثمرا، من يستطيع أن يفعل ذلك؟ ومن يستطيع إنجاز التقدم الذي نحتاج؟” (مكسيم رودنسون، الإسلام والرأسمالية ، 1980 ص 130)لكن محمد علي بكل ما لديه من كبرياء وفخر بتجربته ، اضطر بسبب العدوان الأوروبي ليقول عام 1840 :
” إني أعترف بالفوائد الكبيرة للتجارة الحرة، ولا أستطيع اليوم إنكار ذلك الأمر الواضح، أن ظروفا قاهرة هي التي أرغمتني على إقامة الاحتكار” (روبنسون 1980 ) (أنظر عادل سماره، البريسترويكا، حرب الخليج العلاقات العربية السوفييتية ، 1991 ص ص 125-26)
المقصود ب الإحتكار هنا هو دور الدولة في التحكم بالثروة وتوظيفها للتنمية كي تحقق وتائر نمو عالية وبسرعة. والحقيقة أن هذا هو الطريق الأفضل لتحقيق التنمية والانتقال من التخلف إلى التطور، وهو ما يسميه الغرب الإحتكار أو الديكتاتورية ويطلقون هذا الوصف على النمو السوفييتي إثر الثورة البلشفية. أما التجارة الحرة فهي أكذوبة راسمالية تزعم أن الأنظمة الرأسمالية تؤمن بحرية التبادل. ولكن الحقيقة أنها مارس الحماية ولا تتبادل إلا وهي تدرك أنها الرابحة بأعلى درجة ممكنة. أي أن زعم حرية التجارة هو مجرد لغة وخطاب.
وبعد تحطيم الجيش والأسطول المصريين أضعفت الدول الأوروبية ، حسب تعبير ماركس، “الشخص الوحيد الذي كان بمقدوره تحويل تركيا من “العمامة المفتخرة”، إلى رأس حقيقي”( فلاديمير لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديث، 1980، ص ص 143-44)
بتقويض الدولة المصرية الصاعدة، يمكن القول بأن الوطن العربي أصبح ميدان تنافس الإستعمار العثماني والأوروبي من جهة ولإحتجاز تطوره من جهة ثانية وهذا إثبات مجدد على أن مصر هي قاطرة التطور العربي وهزيمتها قاطرة تبعية الوطن العربي.
ولكي لا ندخل تحليل تاريخي لفترة طويلة من الزمن، ننتقل إلى اللحظة الفارقة في صراع قوى الإستعمار أي الحرب الإمبريالية الأولى التي أنهت الإمبراطورية العثمانية وتقاسمت قوى الاستعمار الغربي مناطق سيطرتها وخاصة الوطن العربي.
لقد إستلم الإستعمار الغربي وطننا العربي من تركيا في حالة من الإهلاك بحيث يكون جاهزا للتبعية. وإذا كان الاستعمار العثماني قد ضم الوطن العربي بأكمله تقريباً تحت سيطرته وقسَّمه إداريا، فإن الاستعمار الغربي كان قد لاحظ تنامي الشعور القومي العربي وخاصة منذ نهايات القرن التاسع عشر ورفضه البقاء تحت الحكم العثماني، وهو ما حذرت منه وثيقة كامبل بنرمان في عام 1907 والتي ملخصها الحذر من وحدة العرب.
لذا، كانت اتفاقية سايكس بيكو التي احتوت على تقاسم وتقسيم المشرق العربي:
- تقاسم الوطن بين الامبرياليات الفرنسية والبريطانية وإطلاق يد روسيا القيصرية في مناطق من أوروبا كانت خاضعة للعثماني، ولكن لينين فضح هذه الإتفاقية السرية وبالتالي قاد انتصار الثورة البلشفية إلى خروج روسيا دور الإستعمار بل حتى الوقوف ضده.
- وتقسيم مشرق الوطن العربي إلى دول قطرية تابعة للاستعمار. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ابناء الحسين بن علي الذي وقف مع الإنجليز ضد العثمانية تحت وعد إقامة دولة عربية موحدة وتعيينه ملكاً عليها بموجب مراسلات “حسين – مكماهون ” لكن الإنجليز نقضوا العهد ونفوا الرجل وعينوا أبنائه على العراق والأردن والشام، والمعيب أن هؤلاء بدل أن يقاوموا الإستعمار وافقوا على وراثة ابيهم كل على جزء من البلاد. وكانت هذه بداية الدولة القطرية التي أراد منها الاستعمار منع قيام دولة الوحدة. وقد تبع ذلك قيام الاستعمار الفرنسي بمنع وحدة المغرب العربي الكبير في الخمسينات، وكذلك قيام بريطانيا بإقامة دويلات في الخليج مع بداية سبعينات القرن العشرين للقضاء على التوجهات العروبية في هذه البلدان..
والدولة القطرية، هي كيان سياسي تحكمه سلطة صنيعة الاستعمار وتابعة له تجد مصلحتها في مواصلة الإرتباط والتبعية، وهي مجتزئة جغرافيا من تكاملها الجغرافي مع جاراتها الدولة القطرية مجتزئة حتى إجتماعياً من تكاملها مع جاراتها وكذلك إقتصادياً.
المهم أن الاستعمار أقام هذه الدول وركز فيها تبعية السلطة وجودا ومصلحة بها، وقيام السلطة باختراع خصوصيات قطرية لكل قطر بما يُبعده عن المشترك القومي. وإلى جانب اتفاقية سايكس-بيكو للتجزئة عام 1916 أصدر الإستعمار وعد بلفور لاقتطاع فلسطين لتصبح دولة لليهود. وبالتالي فقد أوضحت تجارب الصراع الإجتماعي والنضال القومي في الوطن العربي أن هناك مصلحة مشتركة بين الدولة القطرية والكيان الصهيوني على شكل حبل سُرِّي ربط بدايتهما ومصيرهما معاً.
طبعاً لا ينطبق هذا على الدولة القطرية التي قادتها قوى قومية حاولت الوحدة وتحرير فلسطين والتنمية.
وفي حين أن دور الكيان علني لا يخفى على أحد، فإنه من الخطورة بمكان أن معظم الدول القطرية قد تورطت في التطبيع مع الكيان وقام بعضها بالتذيُّل للإمبريالية والصهيونية بالعدوان على اقطار عربية أخرى.
لم ينته الخلاف بعد على قيام العراق بتحرير الكويت عام 1990، حيث يرى البعض أن هذا إجتياحاً جرياً على أكذوبة الولايات المتحدة بأن الكويت عضو في الأمم المتحدة وبالتالي يجوز العدوان على العراق إثر تحريره الكويت، هذا رغم أن الكويت جزء من العراق وبالتالي فإن العدوان ضد العراق هو تجذير للقطرية وتقويتها ضد الدولة القومية. ما كان خطىء العراق إلا في التوقيت وفهم طبيعة المرحلة وخاصة تفكك الكتلة الإشتراكية.
لقد شاركت جيوش عدة دول عربية، إلى جانب جيوش غربية بقيادة الولايات المتحدة،في إخراج قوات العراق من الكويت أي في العدوان على العراق.وعليه كانت هذه الجريمة هي الأولى من نوعها أن يتم إعتداء جيش عربي على قطر عربي حيث كان مضمون هذا العدوان هو اجتثاث المشترك القومي، وبالتالي فتح هذا التورط الخياني الأبواب لعدوان الأقطار العربية ضد بعضها البعض وخاصة عدوان الأقطار المحكومة بالملكيات والإمارات والمرتبطة وجودا ومصلحة بالإمبريالية أي مصر والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وذلك خلال عقد وأكثر يسمى الربيع الخريفي العربي حيث جرى تقويض الدولة القطرية ذات المنحى التقدمي و القومي والاشتراكي أي العراق، وليبيا وسوريا وجرت محاولات تقويض اليمن فتم احتلال السعودية والإمارات لجنوب اليمن ولم يصمد سوى اليمن /صنعاء.
إذن رغم صمود سوريا لأربع عشرة عاماً إلا أن قوى الدينسياسي متحالفة بل تابعة للغرب الإمبريالي والعدو التركي فيما اسميته “الإستشراق الإرهابي” حيث أُحتلت سوريا وتولى رئاستها قائد هيئة تحرير الشام الإرهابية أبو محمد الجولاني وتم الإعتراف بسلطة هذا الإحتلال من جميع الأنظمة العربية ومن الامبرياليات الغربية ايضاً.
وعودة إلى العراق والشام، فإن هذين القطرين اللذين يشكلان معظم الهلال الخصيب والأقرب إلى بعضهما من قرب أي قطر عربي مع جاره العربي الآخر ، يخضعان لأسوأ أشكال الأنظمة الحاكمة.
فالعراق والشام الحاليتين هما نتاج الصعود الطائفي كاكثر عوامل فرض التفكيك القومي حيث نصَّبت أمريكا الطائفيين الشيعة في العراق والطائفيين السنة في الشام. وهما يمثلان النموذج الأشد تخلفاً لما تسمى الصحوة الإسلامية التي هي طائفية وتابعة بالضرورة للإمبريالية و معادية للعروبة والوحدة ولا تؤمن بالوطن ولا بالتنمية.
فطالما زعمت قوى الدينسياسي وخاصة الإرهابيين الذين احتلوا الشام بأنهم “سيحرروا” سوريا كي يصلوا حدود فلسطين لتحريرها، فإن هذا النظام قد فتح أبواب الشام أرضا وسماء للكيان الصهيوني.
والطائفية لا تعرف الإخلاص الوطني ولا الإخلاص للحليف حتى الذي من طرازها، والمثال الأشد بشاعة هو:
- موقف حكام العراق من الحرب الصهميريكية ضد إيران رغم أنهما على علاقة وثيقة وتُحكمان بنفس توجه الدينسياسي الطائفي.
- وموقف سلطة الجولاني في دمشق والتي ،بخلاف حتى الدول العربية التابعة والتطبيعية، لم تشجب العدوان الصهيوامريكي ضد إيران.
أخيراً، نحن ننتقل في الحديث عبر فترة زمنية تقارب قرنين من الزمان لنجد العراق تحكمه قيادة طائفية فاسدة وعميلة للغرب ولا تجد في خطابها قط كلمة العراق عربي. كما يخضع للاحتلال الأمريكي وأُقيمت فيه أضخم سفارة أمريكية في العالم وقواعد عسكرية أمريكية، فشتان بين عراق 1840 و 2025.
وفي الجانب الآخر، تُحكم سوريا بقيادة طائفية بلورتها ودربتها و سلحتها أمريكا وتركيا والكيان ومولتها الكيانات الخليجية التابعة. قيادة تزعم أنها إمتدادا لسلطة الأمويين الذين قهروا عديد الأمم وأقاموا إمبراطورية عربية بينما قيادة الجولاني تتنازل عن حلب وحمص لتركيا وعن القنيطرة والسويداء ودرعا للكيان وعن الجزيرة الفراتية للصهاينة الكرد بل وتقف قوات الكيان على أبواب دمشق.
هذا الوضع المحشو بالطائفية، والنظم المضمخة بالفساد والمحكومة من أشد أعداء الأمة تحرك الطبقات الشعبية بالفتنة الطائفية بل في سوريا تقوم السلطة بتشريع مذابح على أسس طائفية وحتى على أسس قومية بمعنى أن عشرات آلآف الإرهابيين الأجانب الذين تجندوا مع الجولاني يقتحمون بيوت السوريين ويغتصبون النساء والأملاك.
نستنتج من هذا أن الشعوب يمكن أن تمر بمراحل انحطاط الوعي وتدني الكرامة، وهذا يحصل غالباً في حالتين:
- استدخال الهزيمة حيث تتهالك القيادات والطلائع مما ينعكس على الجماهير عامة
- وكذلك حين تصل السلطة حالة من الحشو والحقد الطائفي الذي يدفع قيادات الطوائف للخيانة حفاظاًعلى ما تمسك به من سلطة.