ديني مبني على الصدق و الإنسانية

رانية مرجية*
لم أعد أجد حاجةً لتبرير إيماني لأحد، لأنني ببساطة لم أعد أمارس ديني كخوفٍ من عقاب، و لا كصفقةٍ مع السماء، بل كطريق حياةٍ مبنيّ على أمرين لا ثالث لهما: الصدق و الإنسانية.
أؤمن أن الدين، في جوهره الحقيقي، ليس ما نرتديه، و لا ما نكرّره من طقوس دون فهم، بل ما نحمله في سرائرنا من رحمة و صدق، ما نفعله عندما لا يرانا أحد، و ما نقوله لأنفسنا قبل أن نقوله للآخرين.
لقد خُلق الإنسان على صورة الله، لا ليُحاكم الآخرين، بل ليحبّهم. فحين نفهم ذلك، نُدرك أن الإيمان الحقيقي لا يُبنى على كراهية المختلف، بل على الاعتراف بجمال تنوّع الخليقة.
حين يُصبح الدين أداة فصلٍ و تصنيفٍ و ازدراء، يفقد معناه. لأن الدين الذي لا يُربّينا على التواضع و الرحمة ليس من الله، بل من صنيع أيدينا.
أنا لا أؤمن بدينٍ يُبيح القتل باسم الحق، و لا أؤمن بإلهٍ يأمرنا أن نكره.
أنا أؤمن بإلهٍ يطلب منّي أن أكون صادقة، حتى لو كلّفني ذلك عزلتي.
أؤمن بإلهٍ يوصيني أن أكون إنسانة، حتى في وجه من أنكر إنسانيتي.
ديني علّمني أن أُصغي قبل أن أحكم، و أن أفتح يدي لا لأدين، بل لأضمّ.
ديني ليس نصًا جامدًا، بل حياةٌ تُقرأ في عيون الفقراء، في كرامة الضعفاء، في دموع الغرباء، في كلّ أمّ تخاف على ولدها عند الحاجز، و في كلّ شيخٍ يُصلّي لله بهدوء دون أن يرفع صوته في الشوارع.
حين أنظر حولي، لا أفتّش عن عدد الكنائس أو المساجد، بل عن أثرها:
هل صارت قلوبنا أرحب؟ هل توقّفنا عن إقصاء من لا يُشبهنا؟ هل زرعنا السلام بدل أن نُصدّر الفتنة؟
إن لم نفعل، فماذا نعبد إذًا؟ الله؟ أم أنفسنا؟
ديني، كما أراه، لا يُختزل في الطقوس وحدها، بل في الضمير الحيّ.
في أن تكون نزيهًا حين تقدر على السرقة، عطوفًا حين تقدر على الانتقام، صادقًا حين يكون الكذب أسهل.
و أسوأ ما حدث لنا، أننا سلّمنا أجمل ما في إيماننا – أي الصدق و الإنسانية – إلى تجّار الدين، إلى من جعلوا الإيمان سلطة، و الفتوى سلعة، و الاختلاف تهديدًا.
لكنني أقاوم.
أقاوم بتلك الصلاة التي لا يسمعها أحد، بذلك الموقف الذي قد لا يُرضي الجميع، بتلك الكلمة التي أكتبها كي أذكّر نفسي و الآخرين أننا خُلقنا لا لنسود، بل لنخدم.
ديني مبنيّ على الصدق… لأن الله لا يُخدع.
و ديني مبنيّ على الإنسانية… لأن الله يسكن في الإنسان، لا في القوالب الحجرية التي نضعه فيها.
*كاتبة و صحافية فلسطينية من الرملة