إرهاب الدينسياسي إلى اقتلاع عروبة و اشتراكية سوريا
ماذا قال الشيباني لجريدة فايننشال تايمز؟


د. عادل سماره
تتواتر الروايات عن السقوط المفاجىء و السريع للشام و كأنها كانت دولة بلا جيش، و بنفس السرعة يتم غسيل العصابات الإرهابية من قوى الدينسياسي المعولمة و يتم إسقاط العقوبات التي فُرضت على سوريا سواء منذ 1919 أو منذ 2015. فالمعسكر الغربي الذي فرض الحصار الإقتصادي ضد سوريا هو الذي سلَّح مئات آلاف الإرهابيين و هو الذي قام بإعادة تجليسهم كرجال دولة و ربما قريبا يصفهم ب اللبراليين و الحداثيين و يتم إصدار فتوى بأن لا داع أن يكون الرئيس منتخباً.
و بالسرعة نفسها تم إستقبال معظم الأنظمة السياسية في المشرق العربي للجولاني كرئيس لسوريا بمعزل عن تنافس السعودية من جهة و تركيا و قطر من جهة ثانية على دور في سوريا دون أن يعترض أياً منهما على الدور الصهيوني الذي أُتيح له أن يحتل ما يريد في اللحظة الحالية مما يؤكد بأن امريكا هي التي تهندس كل ما تم في تقويض الدولة السورية. و إعادة إنتاج سوريا أخرى تماماً.
و لأن أمريكا، و خاصة بعد طوفان الأقصى قد كرست هيمنتها على مجمل الوطن العربي و أثبتت أن القطبيات الأخرى لا زالت خداجاً ، فروسيا قايضت سوريا ب أوكرانيا ، و الصين قايضت التجارة الواسعة مع أمريكا بالاحتجاب عن لعب دور في الوطن العربي و خاصة تجاه حرب الإبادة في غزة و الضفة الغربية المحتلتين.
في سياق إعادة إنتاج سوريا يجري الشغل على إقتلاع المكونين الأساسيين للدولة العربية في سوريا:
الأساس الأول: عروبة سوريا الموحدة و المقاوِمة و الرافضة للكيان الصهيوني و أن لا حل للصراع العربي ضد الصهيونية و الإمبريالية و الصهيونية العربية إلا بالتحرير. و بسقوط سوريا ، باستثناء اليمن/صنعاء يكتمل إنتصار الثورة المضادة ضد العروبة، و هذا يتزامن مع و يشبه إنتصار راس المال على العمل في هذا الكوكب.
و الأساس الثاني: تغيير بنية الدولة السورية في مستويين:
المستوى الأول: تقسيم سوريا إلى كيانات متناقضة و حتى متحاربة و جميعها تابعة بالضرورة للإمبريالية و الصهيونية و محكومة بقوى الدينسياسي و مطبعة مع الكيان الصهيوني على أن تكون نموذجاً لمختلف القطريات العربية و كل هذا في إستكمال مشروع تصفية العروبة.
و المستوى الثاني: تفكيك أحشاء الدولة السورية إقتصاديا لإهلاك المجتمع نفسه.
و هذا ما إتضح في المقابلة التي أجرتها جريدة أل فايننشال تايمز اللندنية مع اسعد الشيباني وزير خارجية الجولاني ، و هي من أعتى و أقدم الصحف اليمينية الغربية بامتياز. لذا كان تركيز الحديث على تفكيك البنية الإشتراكية لسوريا. أي تفكيك و بيع القطاع العام، و إلغاء العلاج المجاني و إلغاء التعليم المجاني و إلغاء الدعم الحكومي للسلع الأساسية…الخ اي ترك المواطن العادي الفرد في مواجهة الرأسمالية المتوحشة.و الحقيقة أن بعض هذه السمات الإشتراكية الحيوية و الهامة كان قد تقلص بعد رحيل حافظ الأسد بناء على سياسات السوق الإجتماعي التي وضعها عبد الله الدردري أحد أدوات البنك و الصندوق الدوليين، ، و لكن بقي معظمها.
تركز المقابلة على الخصخصة و هي حالة أو فخ لسرقة القطاع العام على ايدي المتمولين. و رغم أن راس المال هو في الأصل ثروة تم سلخها من المنتجين، إلا أن الخصخصة في سوريا ، و على ضوء طبيعة السلطة المحتلة، قد تباع شركات قطاع عام لراسمال صهيوني.و لعل ما يخدم هذا التوقع هو آخر حديث للجولاني بأن لنظامه و للكيان عدو مشترك!
طبقاً لمعتقد و دور قوى الدينسياسي فإن العدو هو الإشتراكية و ليس من يحتل الوطن أو ينهب الثروات فما بالك بمن يستغل قوة العمل التي وحدها التي تنتج. و هذا يتطابق مع عقيدة الإخوان المسلمين كدينسياسي لا تؤمن بالوطن بل بالسلطة و الثروة بايدي القلة و طبعا هيئة تحرير الشام هي داعش بامتياز.
و كما يلاحظ المرء من الحديث،فهو مغلف بمفردات كالتنمية، و “لا نريد أن نعيش على المساعدات الإنسانية”.
ففيما يخص التنمية، هو مثال على اغتصاب المصطلح من الإشتراكية على يد مثقفي راس المال و الذي حصل بعد تفكك الكتلة الإشتراكية. اما العيش على المساعدات الأجنبية، فكلام سطحي و خبيث. فالأجانب لا يُساعدون بل يدفعون دولاراً لنهب عشرة دولارات،يدفعونها لسلطة كمبرادورية تابعة تخصصه لنفسها.
رغم الحصار ضد سوريا منذ 1979، إن لم نقل قبل ذلك، لم تعتمد سوريا على اية مساعدات، لم تكن سوريا قبل ثورة الناتو مدينة قط، و لم يكن لديها عجزا في الميزان التجاري. و حينما حصلت مجاعة في تونس (كما اذكر 1980 او 82) و استغاثت بكل العالم لم ترسل لها القمح مجاناً سوى سوريا.
أما المجاعة في سوريا اليوم فهي نتيجة الحرب الإقتصادية ب قانون قيصر و الذي هو قرار أمريكي و تنفيذ من الدول العربية و الإسلامية المحيطة بسوريا اي أن جريمة هذه الدول لا تقل عن جريمة أمريكا.
يقول الشيباني تسعى السلطة:” لخصخصة الموانئ و المصانع المملوكة للدولة، دعوة للاستثمار الأجنبي، و تعزيز التجارة الدولية، في إصلاح اقتصادي يهدف إلى إنهاء عقود من العزلة الدولية”
لكن الإستثمار الأجنبي الرأسمالي الغربي ليس فاعل خير بل هو آلية إستغلال بلغة خبيثة، فهو يصر أولاً على الإستثمار بشروط تضمن عدم التأميم و تحويل الأرباح بشكل حر للخارج، و الإستثمار في ما يراه المستثمر أفضل له، كما أنه في حالة الخطر بوسعه سحب أمواله حتى لو تحطم اقتصاد البلد المقترض كما حصل في جنوب شرق آسيا 1997 حيث تم سحب القروض الساخنة…الخ.
أما تعزيز التجارة الدولية فمجرد إنشاء، لأن تعزيز التجارة يقوم على تعزيز إنتاج البلد كي يقوم بالتصدير لأن قوة إقتصاد اي بلد هي من رغبة أو طلب السوق الدولية على منتجاته فما الذي تنتجه سوريا تحت الإرهاب غير الإرهاب. هذا من جهة، و من جهة ثانية، فإن هذا الإرهابي يذهب إلى الحج التجاري و الناس راجعة تبكي، ذلك أن الإقتصاد الدولي اليوم غادر ما كان يسمونه”تحرير التجارة الدولية” إلى الحمائية. حتى أمريكا تتبنى بعنف الحماية الدولية و يقول ترامب أنه يحرر الإقتصاد الأمريكي من إستغلال الآخرين! و عليه، فانفتاح سوريا الجولاني و خصخصة القطاع العام هي نفس النهج الذي إتبعته مصر السادات 1975 والذي قاد إلى تهبيط مصر في مختلف مستويات الحياة، بينما سوريا هابطة دون انفتاح.
و سوريا لم تخترالعزلة الدولية بل هي عُزلت بمخطط غربي و صهيوني طبَّقه العرب و المسلمين المحيطين بها.
وأضاف الشيباني: “كانت رؤية الأسد رؤية دولة أمنية. أما رؤيتنا فهي تنمية اقتصادية”. و تابع: “يجب أن يكون هناك قانون، و يجب أن تكون هناك رسائل واضحة لفتح الطريق أمام المستثمرين الأجانب، و لتشجيع المستثمرين السوريين على العودة إلى سوريا”.
و هكذا شاهد العالم قانون الدينسياسي بالمذبحة الطائفية في الساحل السوري و في القتل و الإغتيال يومياً في معظم أنحاء سوريا و الإعتداء على محال بيع الكحوليات للعرب السوريين المسيحيين! و يبدو أن الرجل تم تلقينه بعض الكليشيهات ليرددها على مسامع ضواري راس المال، فالدولة الأمنية، هي الدولة في كل العالم و إن بدرجات. كل العالم يحكمه الأمن، و لم يكن أمام سوريا إلا إعتماد الأمن، بغض النظر عن المثالب، ولكن ما العلاقة أو ما التناقض بين دولة أمنية و دولة أو رؤية تنموية. فالدولة الأمنية التي تمثل مصالح الشعب هي الأقدر على إنجاز تنمية فعلية. و هذا ما حققه السوفييت في فترة ستالين و الصين في فترة ماو. أما زعم التنمية تحت إحتلال دينسياسي و إمبريالي و صهيوني فهو تسمين القطط السمان والضواري الأجانب.
يعرف الشيباني أن ديون سوريا هي نتيجة الغزو الدينسياسي و قانون قيصر كحصار إقتصادي،لأن سوريا لم تكن لا مدينة و لا عاجزة قبل ثورة الناتو. و لكن، من الذي سيرد عليه في دافوس، حيث استقبل هناك، و هو معبد راس المال و منتدى الحيتان.
أما قوله : “إضافة إلى دراسة مشاريع شراكة بين القطاعين العام و الخاص في مجالات المطارات و السكك الحديدية و الطرق.
لكن التحدي الأكبر هو إيجاد مشترين لمؤسسات تعاني من التدهور منذ سنوات في بلد مدمر و منعزل عن الاستثمار الأجنبي.”
أمر مثير للسخرية، فلن تكون الشراكة إلا بين:
- الراسماليين
*و السلطة الرأسمالية البيروقراطية الكمبرادورية التي هي منهم و تمثلهم و تدير الدولة لمصلحتها و مصلحتهم المندمجتين.و إذا كان في العالم كمبرادوري إقتصادي و سياسي ففي سوريا اليوم ايضاً كمبرادور ديمغرافي حيث إستوردت الإرهابيين الدوليين .
و بالتالي هي ديكتاتورية رأس المال بغطاء الشراكة. أما وجود مشترين، فلن يكون مشكلة، لأن الخصخصة تعني بيع القطاع العام الدولاني بسعر التراب، و هناك شواهد ما حصل في الإتحاد السوفييتي و اوروبا الشرقية و مصر. لقد بيع المصنع السوفييتي الذي كان ينتج ذخائر لكل العالم الثالث بسعر فرن للخبز متوسط الحجم في سويسرا.
في سياق التكاذب الغربي تزعم الصحيفة إهتمام أوروبا بان تلتزم سوريا بقضايا مثل حقوق المرأة و الأقليات” . فرغم إنكشاف إزدواجية الغرب في كل شيىء لم يتخل عن مزاعم كهذه و هو من روَّج لتسليع المرأة و اضطهاد الأقليات و استجداء العلاقة مع أنظمة الخليج ما قبل القروسطية..
بدوره يزعم الشيباني: ” إن القيادة الجديدة تسعى لطمأنة المسؤولين العرب و الغربيين بأن البلاد لا تشكل تهديدًا. و أشار إلى أن بعض دول المنطقة، مثل الإمارات و مصر، تشعر بالقلق من عودة الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين، بينما تخشى دول عربية أخرى من أن تنعش الثورة في سوريا مشاعر التمرد في بلدانها.”
لم يعد هناك في سوريا إسلام واحد، فهناك فرقة إسلام داعش التي إيديولوجيتها دولة خاصة أي متوسعة و لكن غير متنقلة بطائرات أمريكا من قارة لأخرى شأن القاعدة، و هناك داعش التصنيع الأمريكي حسب الطلب أي داعش الجولاني، و هناك الإخوان المسلمين الأم لكل هؤلاء، و هناك الإسلام الإماراتي اي الصهيوني. و عليه، طبيعي أن يخشى أحدهم الآخر، و لكن في النهاية تتكيف قوى الدينسياسي مع مصالحها و هذا ما أيقنت منه أمريكا حيث أمرت الجولاني بحشو 3500 إرهابي أجانب في الجيش الجديد، و هذا لا يعني أنها لن تتخالف لأن فصائل الإرهاب تتناسل أميبياً، و لكن إذا ما تخالفت تعود الفراخ إلى القن والأم أمريكا. و هذا المعنى الحقيقي لضياع سوريا. تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من هؤلاء يُحشدون على الحدود مع لبنان و ليس مع فلسطين المحتلة.
ليس السؤال إن كانت في سوريا ثورة، رغم حذلقات التروتسك و الجولاني و كذلك الشيباني الذي يزهو بها!، أما تصدير هكذا “ثورة” فهذا يعتمد على الأجنحة التي ربما لم يتم لجمها بعد. و لكن، هنا يبرز سؤال، إذا صح أن عدد الإرهابيين الأجانب مئة ألف أو أكثر، أليس بوسعهم إغتصاب السلطة كليا في سوريا المتهالكة؟
لا متسعاً للرد على خلاف الإرهابيين في سلطة الشام و الصهاينة الكرد الذين يقيمون علاقات مع الصهاينة منذ بداية الخمسينات و تحميهم أمريكا حتى اليوم، و لا غرابة إذا باعتهم غداً لأردوغان على أن تضمن لهم وضعاً يسمح لهم بدور ضد عروبة سوريا التي ستأتي لا محالة.
حديث زهمزم الشيباني نموذجاً على لا وطنية و لا قومية الدينسياسي، لذا، لم يقل كلمة عن أرض سوريا المحتلة من الصهيوني و لو مجرد لغة، و لم يذكر الكيان قط، و لن يتطرق لعودة ملايين السوريين الذين خرج معظمهم من سوريا دعماً لثوار الناتو.
لم تتضح خريطة سوريا المحتلة بعد، و لكن كما يبدو فإن سوريا قطر و تركيا أكثر احتمالاً في التفوق على سوريا السعودية الإمارات، لأن تركيا إستعمار ممأسس و قطر قاعدة إيديولوجية للإخوان بخلاف السعودية و الإمارات اللتين هما أقل من القدرة على وضع خطة لدولة ذات بال ولأن ما يهمهما هو إنهاء عروبة سوريا. أما زعم الجولاني أن لا خضوع لتركيا، فليس سوى لغة بينما تركيا تنتقل من حلب إلى حمص و لا يشاكسها غير الصهيوني و طالما لا يابه الجولاني بهضبة الجولان و القنيطرة فلا يأبه بالإسكندرون و حمص هكذا قوى الدينسياسي العربية لا وطنية و بإيديولوجيا.
الكلية العسكرية للإرهاب
و مدرسة الطابور السادس الثقافي
لنخلص من هذا بمسألتين لصيقتين ببعضهما بل تكملان بعضهما و هما جزء اساسي من دور سوريا الإرهاب:
الأولى: أن اعداء العروبة و خاصة سوريا قد اقاموا مدرسة الطابور السادس ضد العروبة تخصصت في خصي الثقافة العربية بالمنح و الوظائف و الأعطيات و البخشيش فتقاطرت عليها قطعان المثقفين و المتثاقفين كل يدلي بدلوه في تخريب هذه الثقافة و بالطبع كان المفتي يوسف قرضاوي و كان الإيديولوج عزمي بشارة. طبيعي أن يتعانق الدينسياسي مع تقويض العروبة
و الثانية، و هي تكمل الأولى هي القاعدة الإرهابية في سوريا اليوم بقيادة الجولاني و لا غرابة أن يبدأ دورها في تخريب هنا أو هناك.
الدينسياسي و الصحوات الدينية الطائفية أوصلت هذه الأمة إلى درجة أن كل من لديه مالاً بوسعه خلق جيش من الإرهابيين و فريقاً من المثقفين يؤدلجون له ضد العروبة. و لكن، قانون التاريخ لن يتغير ، و لا بد من نهوض.