غير مصنف

ما الذي كتبه الياس رودريغيز، ونشره قبل تنفيذ عمليتة في واشنطن…؟

صرخ: الحرية لفلسطين

 إلياس رودريغيزنص البيان الذي كتبه الياس رودريغيز، ونشره قبل تنفيذ عملية قتل الدبلوماسيين الإسرائيليين في واشنطن، وتسليم نفسه للشرطة وهو يصرخ: الحرية لفلسطين، ويشرح فيه الأسباب الدوافع لما قام به:

“هالينتار، كلمة تعني شيئًا بين الرعد والبرق.
بعد كل فعل، يبحث الناس عن نصّ يمنحه معنى.
وهذا محاولة لذلك.

الفظائع التي يرتكبها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين تتجاوز القدرة على الوصف،
وتفوق حدود الإحصاء.
لم نعد نقرأ عن المجازر بقدر ما نشاهدها تتكشف أمامنا على الشاشات،
أحيانًا بشكل مباشر.
وبعد أشهر من القتل المتصاعد،
دمّرت إسرائيل حتى القدرة على إحصاء القتلى،
وهو ما خدم مخططها الإبادي جيدًا.

في وقت كتابة هذا النص،
تسجّل وزارة الصحة في غزة 53 ألف قتيل بفعل القوة التدميرية،
ويُقدّر وجود عشرة آلاف آخرين تحت الأنقاض،
ولا يُعرف عدد من ماتوا نتيجة الجوع أو الأمراض القابلة للعلاج،
مع وجود عشرات الآلاف معرّضين للمجاعة بسبب الحصار الإسرائيلي،
المدعوم من حكومات غربية وعربية متواطئة.

تدرج الجهات المحلية في غزة أولئك المدفونين تحت الأنقاض ضمن عدد القتلى.
لكن المفارقة أن عدد “العشرة آلاف” تحت الركام لم يتغير منذ شهور،
رغم أن القصف لم يتوقف،
ورغم أن الأنقاض تتكاثر،
والقصف يستهدف حتى الخيام المقامة فوق الأنقاض.

كما في اليمن، حيث ظلّ عدد الضحايا الرسمي متجمّدًا لسنوات تحت القصف السعودي–الأمريكي–البريطاني،
قبل أن يُكشف لاحقًا عن مقتل نصف مليون،
فإن هذه الأرقام أيضًا هي دون شكّ تقديرات مجرمة ومجتزأة.
ولا أجد صعوبة في تصديق تقديراتٍ ترفع العدد إلى مئة ألف قتيل أو أكثر.

لقد قُتل منذ مارس من هذا العام عدد يفوق من سقطوا في “الرصاص المصبوب” و”الجرف الصامد” معًا.
أما نسبة الأطفال في القتلى،
فلا شيء يمكن قوله بعد الآن يفي حجم المأساة:
أجساد صغيرة، محترقة، ممزقة، مبعثرة.

نحن الذين سمحنا بحدوث ذلك،
لن نستحق يومًا غفران الفلسطينيين.
وقد قالوا لنا ذلك، بوضوح.

*****

العمل المسلح ليس بالضرورة عملًا عسكريًا.
غالبًا ما يكون فعلًا رمزيًا، مسرحيًا، مثل كثير من الأفعال السلمية.
في الأسابيع الأولى من هذه الإبادة،
شهد العالم موجات احتجاج غير مسبوقة،
خرج عشرات الآلاف في الغرب دعمًا للفلسطينيين.
اضطرّ بعض السياسيين الأميركيين، للمرة الأولى، إلى الاعتراف ـ ولو لفظيًا ـ
بأن الفلسطينيين بشر أيضًا.

لكن الأقوال لم تتحول إلى أفعال.
وحتى الاحتلال نفسه يعترف بدهشته من المساحة المفتوحة التي منحها له الأميركيون ليقتل بلا قيد.
الرأي العام الغربي تغيّر،
لكن الحكومة الأميركية تجاهلته ببساطة،
وصارت تجرّم التضامن،
أو تخنقه بخطاب مكرور عن أنها “تفعل ما بوسعها للحد من تجاوزات إسرائيل”.

ضحّى آرون بوشنل وآخرون بحياتهم،
على أمل وقف المجازر.
ويعمل النظام على إقناعنا بأن تضحياتهم كانت عبثًا،
وأن لا جدوى من التصعيد لأجل غزة،
وأن لا معنى لـ”جلب الحرب إلى الداخل”.
لكن يجب ألا نسمح لهم بالنجاح.
تلك التضحيات لم تكن عبثية.

*****

الإفلات من العقاب، الذي يمارسه من يشاركون في هذا الذبح أو يبررونه،
يجب أن يُكسر، أن يُظهر زيفه.
وهو أسوأ ما يكون حين نكون على مقربة مباشرة من المجرمين.

جراحٌ كان يعالج ضحايا الإبادة التي نفذها الجيش الغواتيمالي ضد المايا،
روى أنه أثناء إجراء عملية لمصاب في مذبحة،
دخل مسلحون إلى غرفة العمليات،
وأطلقوا النار على المريض وقتلوه أمامه وهم يضحكون.
قال إن أسوأ ما في الأمر
أنّ القتلة ظلّوا يتجولون في شوارع البلدة لاحقًا
معروفين للجميع، دون أي محاسبة.

في مكانٍ آخر، حاول رجلٌ أن يدفع روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأميركي الأسبق،
من على متن عبّارة متجهة إلى مارثاز فينيارد،
احتجاجًا على جرائمه في فيتنام.
قال إن ما أزعجه كان وضعية جسده،
التي تقول: “تاريخي بخير، ويمكنني الجلوس مسترخيًا مع أصدقائي، ولا يمكنك أن تفعل شيئًا حيال ذلك.”
لم تنجح المحاولة، تمسّك مكنمارا بالحافة وعاد إلى مكانه،
لكن المهاجم قال:
“أخرجته للحظة، واجهته وحده،
وفجأة لم يعد تاريخه بخير، أليس كذلك؟”

*****

كلمة عن أخلاقية الفعل المسلّح:
كثيرون منّا يشعرون ببعض الراحة حين يعلنون أن الجناة فقدوا إنسانيتهم.
وأنا أفهم هذا التوجّه،
لأن الروح التي تشهد الإبادة، حتى عبر الشاشة،
تحتاج إلى أن تُسكَّن.

لكن الحقيقة أن الوحشية إنسانية جدًا،
شائعة، مألوفة.
قد يكون الجلّاد أبًا محبًا، أو صديقًا وفيًّا، أو زميلًا لطيفًا.
وقد يبدي مواقف أخلاقية أحيانًا حين تناسبه،
ومع ذلك يبقى قاتلًا.

الإنسانية لا تبرّر شيئًا،
ولا تعفي أحدًا من الحساب.

الفعل كان مبررًا منذ “الجرف الصامد”،
حين بدأت أنا شخصيًا أعي حجم ما نرتكبه في فلسطين.
لكن في تلك الأيام، كان كثيرون سيرون في ذلك جنونًا، لا فعلًا مفهومًا.

أما اليوم،
فأعتقد أن كثيرين سيفهمونه،
وسيرونه، في مفارقة موجعة،
أنه ربما الفعل الوحيد المعقول.

*****

أحبكم
يا أمي، أبي، أختي الصغيرة، وكل عائلتي
وأحبكِ أنتِ أيضًا، يا *

الحرية لفلسطين
إلياس رودريغيز“”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *